تقارير

التاريخ والدين والسياسة والأخلاق.. جدل فكري بين القاضي والشنقيطي

يمثل هذا الحوار نموذجًا لفهم الاختلافات الفكرية داخل الإسلام المعاصر، ويكشف الحاجة إلى نقاش علمي موضوعي بعيدًا عن العصبية والمصالح السياسية الضيقة.. عربي21
يمثل هذا الحوار نموذجًا لفهم الاختلافات الفكرية داخل الإسلام المعاصر، ويكشف الحاجة إلى نقاش علمي موضوعي بعيدًا عن العصبية والمصالح السياسية الضيقة.. عربي21
شارك الخبر
شهدت وسائل التواصل مؤخراً تبادلًا فكريًا بين البرلماني اليمني الدكتور شوقي القاضي والباحث والأكاديمي الموريتاني الدكتور محمد مختار الشنقيطي، حول قضايا حساسة تتعلق بالزيدية، والشيعة، وآل البيت، في إطار النقاش حول التاريخ الإسلامي والممارسات الطائفية والسياسية.

مواقف شوقي القاضي

أوضح القاضي في تغريداته أنه يستفيد كثيرًا من أبحاث ومحادثات الشنقيطي، لكنه لا يتفق معه في ثلاثة مواضيع:

1 ـ موضوع الزيدية، داعيًا الشنقيطي للاستفادة من الباحثين اليمنيين الذين درسوا الجرائم والتحديات التي شكّلها الفكر الزيدي على الدولة والمجتمعات.

2 ـ موضوع الشيعة، مشيرًا إلى ضرورة الاستفادة من تجربة علماء سابقين مثل الشيخ القرضاوي، وإلى أهمية التحليل الموضوعي بعيدًا عن الانحياز.

3 ـ موضوع آل البيت وخرافاتها، مؤكدًا أن مثل هذه الموروثات تحتاج إلى نقاش عقلاني، وألا تُستغل في الخلافات الطائفية والسياسية.

يعبّر موقف القاضي عن حس سياسي وقانوني متوازن، يستند إلى التاريخ السياسي والاجتماعي لليمن والمنطقة، ويركز على تأثير الممارسات الدينية والسياسية على المجتمع والدولة.

موقف محمد مختار الشنقيطي

ردّ الشنقيطي موضحًا أنه غير متأثر بعقدة العِرق أو نسبه، وأنه ينتمي للإسلام بمفهوم شامل يرفض العصبية الطائفية، ويعتبر نفسه جزءًا من الأمة الإسلامية وفق ما سماه القرآن: "هم سمّاكم المسلمين" (سورة الحج).

أبرز الشنقيطي أنه يرفض التسنن العصبي والطائفي، ويتبع نهجًا وسطًا ومحجّة بيضاء يشمل جمهور أهل الإسلام، بعيدًا عن التكفير أو التشهير، مستندًا إلى ما عبّر عنه ابن تيمية في منهج أهل السنة والجماعة، الذي يدعو إلى تولي جميع المؤمنين بعدل وعلم، والاعتراف بحقوق أهل البيت المشروعة، والابتعاد عن التعميمات التاريخية المغلوطة.



الجذر الفكري للجدل

يمكن رصد ثلاثة مستويات للجدل:

1 ـ المستوى التاريخي: يبرز القاضي اهتمامًا بالتوثيق التاريخي لتأثير الزيدية والشيعة على مجرى الأحداث السياسية والاجتماعية، بينما يؤكد الشنقيطي على التوازن بين الاعتراف بالحقوق الدينية والبعد عن التعصب التاريخي.

2 ـ المستوى الفقهي: الشنقيطي يتبنى منهج أهل السنة الوسطية، مستشهداً بآراء ابن تيمية، ويرفض تسييس العقيدة وتوظيفها في الخلافات السياسية، في حين القاضي يركز على تحليل المخاطر السياسية والاجتماعية لممارسات معينة.

3 ـ المستوى الأخلاقي والسياسي: كلاهما يسعى للحفاظ على وحدة المسلمين وتماسك الأمة، لكن اختلافهما يكمن في طريقة التعامل مع التراث المذهبي والتاريخي، وكيفية ربطه بالواقع السياسي والاجتماعي.

ويمثل الجدل بين القاضي والشنقيطي نماذج متباينة للتفكير الإسلامي المعاصر: فشوقي القاضي يقدم مقاربة واقعية، تركز على الأثر السياسي والاجتماعي للأيديولوجيات الدينية، مع الحرص على الموضوعية والتحقق من الوقائع، بينما يقدم محمد مختار الشنقيطي مقاربة أخلاقية وفكرية، تركز على وحدة الأمة، ورفض العصبية الطائفية، والالتزام بالنهج الوسطي، مستندًا إلى القرآن والسنة وفكر أهل السنة.

ويمثل هذا الحوار نموذجًا لفهم الاختلافات الفكرية داخل الإسلام المعاصر، ويكشف الحاجة إلى نقاش علمي موضوعي بعيدًا عن العصبية والمصالح السياسية الضيقة، بما يسهم في تعزيز الوحدة الإسلامية والاستقرار الاجتماعي والسياسي.

كما أن الجدل بين القاضي والشنقيطي ليس مجرد خلاف شخصي، بل هو انعكاس لفهم مختلف لكيفية الجمع بين التاريخ، الدين، والسياسة، وكيف يمكن للمسلمين أن يستفيدوا من التراث دون الانزلاق في العصبية الطائفية أو التعميمات المغلوطة.
التعليقات (0)

خبر عاجل