بات الوضع في
غزة اليوم، بعد موجة البرد القارس والتقلبات الجوية الخطيرة على حياة الناس في المخيمات، وتزايد عدد ضحايا هذا الوضع من الأبرياء، يطرح سؤالا جوهريا عن مدى إهمال القطاع من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، والأقرب فالأقرب من الدول والشعوب الشقيقة والصديقة، كما بات يطرح أسئلة أخرى عن مدى وجود حرب ثانية ضد غزة سلاحها هذه المرة ليس القنابل والحصار المُعلَن، بل اللاّمبالاة والقتل البطيء؟
لما كانت غزة تُقصَف يوميا بالقنابل والصواريخ والمدفعية، ويتم قتل المئات من الأبرياء ودفنهم أحياء تحت الركام، كان العالم يخرج يوميا صارخا في وجه الجرائم الصهيونية المُسَلَّطة على الشعب الفلسطيني الأعزل؟
وكأنه يعيش معه آلامه وأحزانه ويشاركه المأساة ماديا ومعنويا، وكانت فلسطين طوال سنتين من العدوان الإجرامي والإبادة الجماعية هي قلب الحركة الاحتجاجية في العالم… حتى إذا ما تم الإعلان عن وقف إطلاق النار، وإمضاء اتفاق شرم الشيخ لإنهاء الحرب في غزة في 13 من أكتوبر الماضي، وشُرِع في تنفيذه، بدأ التضامن الدولي يخفت أو تتم محاصَرَته بطرق غير مباشرة، وبدل أن تتسارع الأيام للوصول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق بدأت تتباطأ ويبرز اتجاه يوحي بأن هناك مخططا لزيادة معاناة غزة بهدف دفع سكانها للهجرة طوعا أو كرها…
وإلا كيف نفسر استمرار العدو الصهيوني في عدم الالتزام ببنود اتفاقية شرم الشيخ في الوقت الذي التزمت المقاومة بكافة هذه البنود؟ أين هو السلام الذي وعد به الرئيس ترامب في الاتفاقية؟ أين هي حماية الحقوق الأساسية وضمان الأمن وصون كرامة للفلسطينيين؟ أم هي للإسرائيليين فحسب؟ أين هو معيار العدل للرئيس الأمريكي بين الطرفين المتصارعين؟ أين هو موقف الوسطاء من مسألة الالتزام ببنود الاتفاقية؟
يبدو أن الموقف الصهيوني اليوم يزداد ظلما
يبدو أن الموقف الصهيوني اليوم يزداد ظلما… كل العمليات العدائية التي يقوم بها وكل الحصار الذي مازال يُطبِّقه على غزة وعلى الضفة الغربية، لا يجد مَن يردعه؟ بل هو يتجه به نحو التصعيد إلى لبنان وسوريا مع التهديد المستمر لإيران! لا يجد من يقول له لا سوى عناصر المقاومة التي مازالت تصر على الحفاظ على سلاحها… ولذلك تجده لا يتوقف عن السعي لنزع هذا السلاح في أي بلد من البلدان، بل والسعي لقتل كل روح للمقاومة بها وإنْ لم تحمل السلاح!
إنه باستمرار يُمنِّي النفس بتحقيق انتصار معنوي من خلال الاستثمار اليوم في معاناة شعب بلا وسائل أمام مخلفات
المنخفضات الجوية والرياح العاتية وقلة الإمكانات لمواجهتها، وانخفاض وتيرة الدعم الدولي… فهل يفلح؟
إن القوى المعادية للشعب الفلسطيني التي تراهن على هذا لأسلوب الوحشي لكسر إرادة الفلسطيني بعد أن فشلت في كسرها بالسلاح، لا تدري أنه يتعافى يوما بعد يوما من تحت الأنقاض والخيم التي غمرتها السيول، لا يهين ولا يستكين، فقط هو في حاجة إلى استمرار زخم التضامن الدولي والعربي والإسلامي معه، وإلى عدم الوقوع في فخ أن السلام قد تحقق وأن الحرب قد انتهت…
إن الحرب في غزة تستمر اليوم بوسائل أخرى، تستغل هشاشة أوضاع الناس، وتَحَكُّم العدو الصهيوني في المعابر والتقتير عليه في الإمكانات، بهدف تحقيق ما لم تحققه بالإبادة الجماعية، ولكنها ستفشل كما فشلت الحرب الأخرى العلنية…
شيء واحد علينا أن نتذكره ونصر عليه: مواصلة الدعم المادي والمعنوي لإخواننا هناك، لعلهم اليوم أكثر حاجة إليه من الأمس، وقد باتت الحرب نارا بلا دخان، لا يكتفي العدو بِشنِّها عليه بنفسه ومن خلال حلفائه الخارجيين، بل يزيد على ذلك بتحريك أذنابه في الداخل لعلهم يستطيعون القيام بما عجز عن القيام به… فهلاَّ نصرنا غزة في هذه الأيام الصعبة؟
الشروق الجزائرية