ماهية اللغة ودورها الوظيفي:
اللغة هي عبارة عن نسقٍ من الرموز والألفاظ والإشارات المنطوقة
صوتيا، والتي تشكل في النهاية إحدى أدوات المعرفة التي يعبّر بها الفرد عن أغراضه
واحتياجاته.
كما أن اللغة تعد أهم ما يميّز القدرة الإنسانيّة عن
الحيوانية، حيث إنّها ثمرة العقل، التي تترجم إلى رموز في شكل حروف وكلمات، وصوت
مسموع، وهي السبيل لفهم الرسالات القادمة من الله تعالى، وفهم الدين وحقيقته
ومضمونه وتعاليمه وشعائره، وبذلك أثبتت اللغة والدين أنهما العنصران المركزيان في أي
ثقافة وحضارة.
وتتنوّع وتتطور اللغات وتتطوّر بتواصل المجتمعات واندماج
اللهجات مع بعضها البعض، وبنمو إنتاجها المعرفي والمادي التي يجب تسميته وتعريفه
لغويا.
خصائص
اللغة بشكل عام:
المعالم
الخاصة بذات اللغة بشكل عام
1- تتكون
من حروف وكلمات وجمل، من خلال تركيبها في أنساق منظمة لبناء مضامين من المعاني المحددة.
2-
تحسب جودتها بقدرتها على التعبير الصحيح السريع عن الأفكار والمعاني.
3- لها
نظام محدد في ترتيب حروفها وكلماتها.
4- تُكتسب
بالمحاكاة والتعلّم.
5- لها
معان ومدلولات يفهمها ويعرفها السامع والمتحدّث والكاتب والقارئ.
6- تتعدد
وتتنوع اللغات، ولكل لغة خصوصيتها واستقلاليّتها ومميّزاتها عن اللغات الأخرى.
7- الإنتاج
المعرفي للناطقين بها يضيف إليها ويقويها ويعزز انتشارها واستمراريتها.
وظائف
اللغة:
اللغة
تصنع التواصل والمعرفة والوحدة والانتماء، وتمزج الماضي بالحاضر والمستقبل، وتطور
الثقافة وتبني الحضارة:
1- اللغة إحدى أهمّ
وسائل التفاهم والتواصل المستمر المكتوب والمسجل المحفوظ بين البشر.
2- وسيلة التعبير عن
مشاعر وأحاسيس ورغبات وتطلعات ومطالب الإنسان.
3- أداة إنتاج المعرفة، وذلك بصياغة
الأفكار والمفاهيم والتصورات والرؤى والفرضيات والنظريات والحقائق غير المرئية، في
قوالبٍ لغويّة مكتوبة، وأصوات مسموعة.
4- اللغة أداة نقل
وتطوير المعرفة بين البشر. وفي
القرآن الكريم "الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ
الْقُرْآنَ *خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ" (الرحمن). أي أن من
أعظم وأهم نعم الله تعالى على الإنسان بعد القرآن الكريم، هي
اللغة العربية التي
تعد أداة الإنسان لتلقّي وفهم ونقل للمعرفة والبحث وإنتاج الأدلة وصولا إلى الحقيقة.
5- اللغة أداة التواصل
بين الأفراد والتجمعات صناعة الانتماء والوحدة والاحتشاد.
6- تحافظ
على الأرصدة المعرفية من
العلوم المختلفة -التراث- التي تملكها الشعوب.
7- أداة التعبير عن المشاعر والأحاسيس والعواطف
بين البشرز
8- أساس للتواصل والوحدة والانتماء الخاص بين
المتحدثين بها من البشر.
معايير تقييم اللغات العالمية- معيار قيمي هويتي
أولا: ثراء اللغة: بالحروف،
والكلمات، والدلات، والاشتقاقات.
ثانيا: القوة
الدلالية للحروف والكلمات للتعبير عن كم كبير من المعاني في أقل عدد من الحروف
والكلمات والجمل.
ثالثا: سهولة
ووضوح الحروف والكلمات.
رابعا: القوة
التعبيرية والبيانية للكلمات، لصناعة الاختصار الفاعل المسمى بجوامع الكلم.
خامسا: ثراء
المترادفات للكلمة الواحدة.
سادسا: البلاغة
الصوتية والقوة الموسيقية التعبيرية لصوت اللغة.
سابعا:
القابلية للإعراب وبيان المعاني والدلالات.
ثامنا: جمال
وتنسيق الحروف والكلمات والتركيب النحوي.
تاسعا: توافر كل
الضمائر المعبرة عن كل المذكر والمؤنث.
عاشرا: اعتراف
وتوثيق الأمم المتحدة.
حادي عشر: التوثيق
الإلهي والديني وضمان الحفظ والاستمرار.
اللغة العربية في القرآن الكريم
ورد لفظ العربية في القرآن سبع مرات، كما جاءت مشتقاته
في مواضع أخرى عديدة جميعها تدلل على البيان وسهولة وصول ووضوح الرسالة وما تتضمنه
من حقائق:
1- "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ
قُرْآنا عَرَبِيا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (يوسف: 2).
2- "وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنا
عَرَبِيّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ
يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرا" (طه: 113).
3- "نَزَلَ
بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ *
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ" (الشعراء 193).
- "قُرآنا
عَرَبِيّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (الزمر: 28).
4- "كِتَابٌ
فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنا عَرَبِيّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" (فصلت: 3).
5- "وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنا عَرَبِيّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ
حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ
وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ" (الشورى: 7).
6- "إِنَّا
جَعَلْنَاهُ قُرْآنا عَرَبِيّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون" (الزخرف: 3).
7- "وَهَٰذَا
كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانا عَرَبِيّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا" (الأحقاف:
12).
دلالات
ذكر مصطلح العربية في القرآن الكريم
1-
تكريم للغة العربية وإيضاح لثرائها وكفايتها وتميزها وأهميتها.
2-
سهولة فهم كلمات وتركيبات جمل ومعاني اللغة العربية.
3-
القوة التعبيرية الكتابية والصوتية للغة العربية في بيان معاني ودلالات القرآن
الكريم.
4- سهولة
نفاذها إلى القلوب حتى لمن لا يتحدث بها.
5- سهولة
تعلمها للناس كافة، بما يجعل منها لغة عالمية قابلة للتعلم والاكتساب.
القرآن الكريم كتاب ورسالة عالمية كونية إلى قيام الساعة، والإسلام دين عالمي
يتطلب لغة عالمية تمتلك مقومات البقاء والانتشار الذاتي.
أهم المميزات التي تميز اللغة العربية عن غيرها من
اللغات الأخرى العالمية:
تعد اللغة العربية من أوسع اللغات العالمية استخداما
الرابعة بعد الصينية والإنجليزية والهندية. يتحدث بها ما يقارب 8 في المئة من سكان
العالم البالغ عددهم 8 مليارات مطلع القرن 21- 2021م.
بحسب تصنيف الأمم المتحدة، وهي اللغة الأقوى رسوخا
والأكثر تمددا والأضمن على للاستمرارية على كوكب الارض حتى نهاية العالم، ولذلك تحتفل
الأمم المتحدة سنويا اليوم العالمي للغة العربية سنويا في الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام.
1- اللغة العربية كاملة الشرعيات الخمس، حيث تستمد اللغة
قوتها الذاتية، وشرعيتها من عدة أشياء:
أولا، شرعية القوة:
خصائصها الذاتية التي تمنحها القوة والتميز والقدرة على التعبير والواصل البشرى.
ثانيا، شرعية انتشارها: عدد المتحدثين بها.
ثالثا، الشرعية العلمية: الإنتاج المعرفي والحضاري للمتحدثين بها.
رابعا، التوثيق القانوني: اعتراف الأمم المتحدة بها.
خامسا، الاعتراف والتوثيق الإلهي لها: وضمان حفظها إلى نهاية الحياة، باختيارها لتكون لغة
لآخر الكتب السماوية إلى الأرض -القرآن الكريم- وبتشريع صلاة المسلمين بها وبضمان
حفظ القرآن والإسلام إلى نهاية الحياة، واللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي
تمتلك الشرعيات الخمس، متكاملة من دون بقية لغات العالم.
- اللغة الوحيدة في العالم الموثقة في الكتب
السماوية في القرآن الكريم؛ ذُكرت في القرآن الكريم 7 مرات والكثير من مشتاقتها.
-
اللغة الوحيدة موثقة الحفظ الإلهي من رب العالمين؛ "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ" (الحجر: 9).
-
اللغة الوحيدة موثقة الحفظ الإلهي من رب العالمين، كونها تمثل في ذاتها مكون أساسي
من شريعة الإسلام المحفوظ كتابه، وحملته إلى يوم الدين، فهي لغة القرآن ولغة
الصلاة في الإسلام.
2- أقدم لغة في العالم، تم اكتشاف أقدم مخطوطاتها قبل 8000
عام تعود إلى القرن الثالث ق. م.
3- غنية بالجذور اللغوية للكلمات 16000 ألف جذر لغوى.
4- تمتلك 28 حرفا، جعل منها اللغة الأكثر بين بقية
اللغات.
5- لكل حرف ذاتيته الخاصة المعبرة في النطق والجرس عن دلالته
الخاصة المعبرة بالمعنى.
6- غنية بالمفردات المختلفة للكلمة الواحدة، والتي يمتلك
فيها كل مفرد معنى وإضافة تعبيرية جديدة.
7- سعة وغنى الاشتقاق من الكلمة الواحدة (جيد- جد- أجاد-
جودة.. الخ)، حيث يمكن اشتقاق الفرع من الأصل، والأصل من الفرع، وأخذ صيغة من صيغة
أخرى، وشيء من شيء، ولفظ من لفظ.
8- سعة وغنى المحصول اللغوي بما يساعد فى اتساع فضاء
وقوة التعبير عن الأحاسيس والمعاني والمفاهيم والتطلعات.
9- القوة الدلالية للكلمات، بما يمكن من الإيجاز لأقل
عدد من الكلمات مع توصيل كامل المعنى المطلوب، في نقل المفاهيم وحمل الأفكار ودفع
الغموض والتعبير عن الذات بالإضافة إلى فهم المراد.
10- ثراء اللغة بوجود العديد من الكلمات التي تعطي دالة
واحدة دون إعطاء عمومية في المعنى، دون تمام محدد للمعنى، مما يعطي المفردة تميزا
في الاستخدام عن مجموعتها، ويمنح الكتاب مرونة واسعة في استخدام أكبر عدد ممكن من
المفردات التي تخدم السياق العام الذي يذهب إليه
11- الفصاحة بخلوها من عيوب التنافر بين الكلمات، وضعف
التأليف اللفظي، والتعقيد اللفظي، والتعقيد المعنوي.
12- البلاغة الصوتية والقوة الموسيقية التعبيرية لحروف
وكلمات اللغة العربية، حيث إن لكل حرف وكلمة وجملة وقع موسيقى مختلف يعبر عن
مضمونه ويوحي بدلالته بما تعزز فصاحة اللغة من رصانة وشدة ورخاوة، والتفخيم
والترقيق.. الخ، ويؤدى في النهاية إلى سرعة فهم معناها ودلالتها بمجرد سماعها.
13- تحتوي على كل الضمائر الخاصة بالمذكر والمؤنث.
14- إمكانية الإعراب والذي تكمن أهميته في إعطاء
الدلالات على المعاني.
15- العربية لغة عالمية تحتاجها جميع الثقافات في العالم
لما تمتلكه اللغة العربية من إنتاج حضاري خاص امتد إلى ستة قرون متتالية، من
الثامن الميلادي إلى الرابع عشر الميلادي.
16- تحتوي اللغة العربية على مجموعة كبيرة من أنواع
الخطوط التي تتميز بجمالها، ويعتبر الخط العربي شكلا من أشكال الفن.
17- لغة عالمية لا حدود جغرافية ولا زمانية
لها، سهلة النطق والتعلم، ذاتية الانتشار والتمدد والمحافظة على وجودها واستمرارها.
اللغة العربية ودورها الوظيفي لإحياء قوة العرب
والمسلمين
اللغة العربية بما تمتلكه من خصائص ومقومات ذاتية بالغة
القوة تمكنها من صناعة أعرق الحضارات إن هي تلاقت مع مجتمعات بشرية أحسنت استخدامها
معرفيا وحضاريا، كما لها أهمية ومركزية خاصة في واقع الأمة العربية والإسلامية فهي
اللغة التي يتحدث بها ما يقارب 400 مليون عربي تجمعهم منطقة جغرافية واحدة متماسكة
من الخليج العربي شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، تمثل نقطة الارتكاز والأساس لانتمائهم
إليها ووحدتهم عليها.
ثم يأتي وحي السماء، القرآن الكريم، باللغة العربية التي
تحفظ لهم وحدتهم إلى نهاية العالم، شاؤوا أم أبوا، قووا أم ضعفوا، تقدموا أم
تأخروا وتراجعوا. تلك هي قصة العرب واللغة العربية، وهنا أجمل أهم الأدوار
الوظيفية العملية للغة العربية في بناء وتأهيل وتحضر الإنسان ونهوض المجتمع العربي:
1- العربية من شعائر الإسلام العظيم، كونها لغة تلاوة
القرآن ولا تصح الصلاة إلا بها.
2- المحافظة على استمرارية وامتداد وفاعلية القرآن
الكريم في نفوس البشر تلاوة وفهما وتعلّما لمعاني ودلالات ومقاصد القرآن الكريم
والحديث الشريف والسيرة النبوية المُعلمة والملهمة لكل إنسان في العالم.
3- مركز وأساس وحدة وانتماء المتحدثين بها في المنطقة
العربية وحول العالم.
4- اللغة العربية تعزز الانتماء بالذات والمواطنة
العربية لكل المتحدثين بها، خاصة من أبناء الوطن العربي.
5- وسيلة نشر العلوم الإسلامية والمساهمة بحصة كبيرة في
بناء الإنسان والمجتمع الحضاري.
6- المحافظة على بقاء وتمدد الهوية العربية والإسلامية،
حيث تمثل اللغة الركن الأول من أركان الهوية العربية، ويعمل على امتداد القوة
العربية والإسلامية الناعمة في العالم وفتح قنوات الاتصال والتعاون مع العالم.
7- حفظ التراث العلمي والأدبي للعرب والمسلمين، والذي
يمثل حصاد قرون متتالية من الإنتاج الحضاري العربي، والذي تستطيع التعبير عنه ليستفيد
منه العالم أجمع.
8- تعزيز انتماء الأجيال الحالية والتالية للحضارة
العربية والإسلامية والمحافظة على بقائها وعطائها وتمددها واستمراريتها إلى نهاية
العالم.
9- أحد ركائز التاريخ الكبير المعبر عن قوة ومجد العرب
والمسلمين، والقوة النفسية الباعثة والمحفزة على الفعل والإنجاز والتنافس الحضاري
لعرب ومسلمي العالم.
10- ضمان التواصل والتلاقح والتراكم بين الأجيال.
11- هي أساس الثقافة والشخصية والهوية العربية والإسلام،
وبقوة اللغة العربية وتميزها، يعني إمكانية صناعة أقوى هوية وشخصية في العالم وهي
العربية والإسلامية، في حال توفرت إرادة وخطة حقيقية لصناعة الهوية العربية، أو
حتى هوية لقومية خاصة من الدول القومية التابعة للهوية العربية العامة.
اللغة العربية والمحافظة على الهوية العربية والإسلامية

الهوية هي أصل الشيء وحقيقته ومكوناته وسر قوته وقدرته
على الفعل والإنجاز. وتتكون الهوية من أربع مكونات متتالية، متمازجة ومتكاملة؛
أولها اللغة، ثم العقيدة التي يؤمن بها أهل هذه اللغة، ثم القيم التي
أنتجتها هذه العقيدة، ثم التراث الذي أنتجته هذه العقيدة عندما تمازجت مع هذه اللغة
وما تمتلكه من تراث خاص بها. بمعنى أن للغة العربية أبعادا استراتيجية في تأسيس
وبناء وتقوية والمحافظة على بقاء الهوية العربية، أي الوجود الاقتصادي والسياسي العربي،
أي وجود الشعوب العربية كشعوب لها قوة وكرامة إنسانية، وليست كقطعان بشرية سهلة
الإبادة والتهجير والتشريد من خلال:
1- لا تفهم حقيقة ومكونات وأسرار المكونات الثلاث
الباقية للهوية (العقيدة والقيم والتراث) إلا باللغة العربية.
2- اللغة العربية بما تمتلكه من تراث أدبي وعلمي عريق
يرجع لآلاف السنين قبل الإسلام؛ مثلت أساسا وأرضية ثقافية وفكرية صلبة لبناء
الهوية والوحدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية العربية والإسلامية
عليها، خاصة أنها تضم ميراث الأنبياء والرسل والكتب السماوية السابقة.
3- العربية تمثل القاسم والانتماء المشترك للغة الأساس
لأبناء المنطقة العربية والمتحدثين بها حول العالم، والتي حاولت الدول الاستعمارية
نسخها، فأنشأت فرنسا منظمة الفرنكوفونية للدول الناطقة بالفرنسية، وأنشأت بريطانيا
منظمة دول الكومنولث للدول الناطقة بالإنجليزية، لكنهما ليستا كتلا جغرافية واحدة
كما الأمة العربية، بل مفككة، كما أن اللغتين ليستا اللغة الأصلية لهذه الدول، بل
اللغة الاستعمارية التي تم إحلالها وفرضها عليها بدلا من لغتها الأصلية.
4- العربية هي التي يسمعها كل العرب من المحيط إلى الخليج
بأذن واحدة وقلب واحد وعقيدة واحدة وتحديات ومشاكل واحدة، وتطلعات وآمال واحدة في
الدنيا والآخرة، ولهذا أنشأت مصر إذاعة صوت العرب في تموز/ يوليو 1953 للتخاطب الفوري
المباشر مع كل العرب على غرار الإذاعة البريطانية بي بي سي (1922) لمخاطبة
المتحدثين بها ومستعمراتها حول العالم، وهكذا فعلت الولايات المتحدة الأمريكية
بإنشاء مدينة هوليود السينمائية لمخاطبة العالم والتواصل معه بلغتها وثقافتها.
5- اللغة العربية وسيلة نقل الإسلام بمفاهيمه وحقائقه
وشعائره وأحكامه عبر الأجيال المتتالية لأبناء العرب والمسلمين أولا وللناس كافة
ثانيا، وكلما ازداد الفرد فهما وإتقانا لللغة العربية ازداد معها فهما لحقائق
الدين، والتدين به.
6- اللغة العربية وسيلة نقل المخزون المعرفي العربي
الكبير في شتى مجالات العلوم وخاصة العلوم الإنسانية منها، وتحديدا الدينية منها،
وإن ضعف وتقادم ما أنتجته الثقافة العربية من الأرصدة المعرفية للعلوم الكونية
والتكنولوجية، ولكن كان للعرب فضل تأسيسه ووضع قواعده ومنطلقاته، وبذلك يمتلك
العرب الباعث النفسي الكبير على استكمال مسيرتهم العلمية الكونية والتكنولوجية.
7- اللغة العربي هي الحصن الأمين على أسماع وعقول وهوية
الشعوب العربية والإسلامية، حيث تعزز اتصالهم وفهم اعتزازهم وانتمائهم واستثمارهم
لهويتهم وذاتهم العربية في إنتاج ما يمثلهم علميا وماديا، ويمنحهم الثقة والثبات
والقوة أمام الثقافات والهويات العالمية المنافسة التي يعبر كل منها عن ذاته وتحاول
إغراء وكسب ود وثقة وإعجاب وانتماء الآخرين إليها، ليتحولوا إلى مستهلكين لما تنتج
ماديا ومعنويا، ثم تابعين وموالين لها دون أن يدروا، متحللين من ذاتهم الخاصة،
ضعفاء منهزمين مستهلكين مستسلمين للآخر الذي يتبعونه.
اللغة والهوية والأمن القومي العربي والإسلامي

الهوية هي حماية بقاء ووجود واستمرار وقوة الوطن الكبير الذي
يجمع النظام والشعب والجغرافيا والتاريخ وكافة مقدرات الدولة المعنوية والمادية،
ويهدف إلى حماية المقومات الأركان الأربعة الأساسية للدولة:
1- حماية وتأمين هوية الدولة.
2- حماية وتأمين مستقبل وحدة واحتشاد المجتمع على مشروعه
الوطني وخلف قيادته السياسية.
3- حماية وتأمين سيادة الدولة على قرارها السياسي وكامل
ترابها الوطني.
4- حماية وتأمين مجالات وفرص التنمية لكافة أبناء الوطن
والعيش الحر الآمن الكريم.
من هنا تتأكد لنا مركزية وأهمية الهوية في حماية وتأمين
الأمن القومي للوطن من خلال المحافظة على الثقافة والهوية والشخصية الخاصة للمجتمع
وتنميتها وتطورها، والتي تعد الأساس لتحقيق الهدف الثاني وهو وحدة واحتشاد المجتمع،
وهما يعززان قوة الدولة في مواجهة التحديات الخارجية للنيل من إرادة وسيادة الدولة،
ومن ثم بقاء الدولة قوية قادرة على المحافظة على مقدرات وثروات شعبها، وفرص تعليم
وتأهيل أبنائها وتعزيز فرص ومجالات التنمية.
من هنا يتبين لنا مركزية اللغة في صناعة الهوية ومركزية
الهوية في حماية الأمن القومي للدولة.
واجبنا نحو لغتنا العربية
1- اعتبارها لغة عالمية تمثل رصيدا لغويا ومعرفيا للعالم
كله، من عرب ومسلمين غير عرب وغير مسلمين، وعدم حصرها أو اختزالها في العرب
والمسلمين فقط، حيث تمتلك اللغة العربية قوتها من ذاتيتها، وليس من العرب والمسلمين.
فالعرب والمسلمون على مر الأجيال المختلفة يقوون ويضعفون، ويتقدمون ويتأخرون،
وتبقى اللغة العربية قوية متقدمة بذاتها وبتكريم الله تعالى لها، وليس بأي قوة
بشرية.
2- المحافظة على تعليم وتمكين اللغة العربية لدى الأجيال
الحالية والتالية.
3- تطوير منظومة تعليم وتمكين اللغة العربية في كافة
الوزرات العاملة في مجال بناء الإنسان.
4- الاجتهاد في الإنتاج المعرفي العربي في كل من العلوم
الإنسانية والكونية، وفي تصديرها للعالم، محافظة على اللغة العربية ودعوة العالم
إلى تعلم العربية لينهل من أرصدتنا المعرفية المتجددة.
اللغة تصنع الإنسان والهوية والدولة والأمة والحضارة، والحضارة
لا تصنع اللغة بل توسع انتشارها وامتدادها وفاعليتها في الأرض.