شهدت الولايات المتحدة انتصارات ديمقراطية ساحقة، أبرزها فوز الاشتراكي الديمقراطي زهران
ممداني برئاسة بلدية نيويورك، إلى جانب نجاحات في نيوجيرسي وفرجينيا وغيرها من الولايات.
ونشرت صحيفتا "
واشنطن بوست"، و"
وول ستريت جورنال" تقارير متزامنة سلطت الضوء على دلالات هذه النتائج، مؤكدة أنها ليست مجرد مكاسب محلية، بل ردّ فعل عنيف ضد مشروع ترامب القومي، في مقابل رؤى عالمية تقدمية تركّز على التنوع والطبقة العاملة والمقاومة الفدرالية.
مدينة ممداني العالمية
فاز ممداني (34 عاماً) فوزاً ساحقاً، متغلباً على هجمات عنصرية ومعادية للإسلام شنّها اليمينيون، بمن فيهم ترامب الذي وصفه بـ"الجهادي" و"كاره اليهود"، فيما حاول بعض الجمهوريين سحب جنسيته رغم أصوله الهندية الأوغندية وخلفيته المسلمة الجزئية.
يرى المعلق إيشان ثارور في واشنطن بوست أن صعود ممداني لا يعجّل بـ"صراع حضارات"، بل يمثّل صدام رؤى: مشروع ترامب القومي الغاضب الذي يهدد المهاجرين بالاحتجاز والترحيل، مقابل مدينة ممداني العالمية المنفتحة والمتعددة.
أظهر ممداني أصالة نيويوركية لا مثيل لها عبر حملته التي استخدمت لغات متعددة وأنعشت مجتمعات مهمّشة. ركّز على جعل المعيشة ميسورة، ما زاد تسجيل الشباب للتصويت، وهاجم ما وصفه بـ"الظلام السياسي" في عهد ترامب واختطاف المهاجرين وحملات الانتقام ضد المعارضين.
وردّ على الهجمات بخطاب مؤثر عن رفض التعصب، متمسكاً بدعمه للقضية
الفلسطينية مع نأي نفسه عن التجاوزات. وتعهد بنشر مئات المحامين لحماية الفئات الضعيفة من تجاوزات الإدارة الفدرالية، مهاجماً في خطاب النصر "ترامب المستبد" و"الأوليغارشية" التي تدعمه.
يرى مستشار أوباما السابق بن ردوس أن ممداني يمثل "صورة مختلفة للسياسيين.. أصيل وغير خائف".
اتجاه عالمي ضد القومية
يشكّل فوز ممداني امتداداً لاتجاه عالمي يصطدم فيه رؤساء البلديات الليبراليون مع القوميين اليمينيين، مثل أكرم إمام أوغلو في إسطنبول، وفيمكي هالسيما في أمستردام التي حذّرت من انهيار الديمقراطية بسبب الاستقطاب والهجمات على الأقليات، مؤكدة أن "الحريات تُنتزع من الأقليات أولاً".
وفي المجر، يقاوم عمدة بودابست غيرغيلي كاراكسوني رئيس الوزراء فيكتور أوربان بالتعاون مع المجتمع المدني والصحافة المستقلة، مقدّماً نموذجاً أخلاقياً للسلطة المحلية. أما في لندن، فقد واجه صادق خان—المسلم من أصل جنوب آسيوي—هجمات مماثلة بوصفه "جهادياً"، لكنه صمد خلال أزمات "بريكست" و"كورونا" رغم خصومته مع حكومة المحافظين.
ويرى ماثيو ماكغريغر من مؤسسة "38 درجة" أن ممداني وخان "استثنائيان في استخدام قوة مدينتيهما لدفع عجلة التقدم في وجه الانتفاضة الشعبوية اليمينية".
ممداني يُلهم اليسار الأوروبي
أثار صعود ممداني حماسة أوساط اليسار الأوروبي. فقد استضاف جيريمي كوربن اجتماع دعم له، مشيداً بحبهما المشترك لنادي أرسنال، بينما شاركت مانون أوبري في حشد انتخابي بنيويورك أشادت فيه بـ"الأمل في التغيير الجذري" الذي يجسده. وقال ديفيد بيليارد، مرشح الخضر لعمدة باريس، إن حملة ممداني "غيّرت مسار أحزابنا نحو التركيز على مساعدة الناس على الصمود حتى نهاية الشهر، لا فقط محاربة نهاية العالم".
موجة ديمقراطية في الولايات
بحسب وول ستريت جورنال، كانت انتخابات هذا العام استفتاءً على ترامب، رغم أنه لم يترشح رسمياً. إذ حشد حضوره الرمزي إقبالاً ديمقراطياً واسعاً، فيما عزا ترامب الخسائر إلى "الإغلاق الحكومي"، وهو تبرير ترى الصحيفة أنه مؤشر خطر للجمهوريين قبل انتخابات 2026.
في فرجينيا، فازت الديمقراطية أبيغيل سبانبرغر بفارق 15 نقطة، وهي أكبر خسارة للجمهوريين منذ سنوات، وحصد الديمقراطيون 13 مقعداً في مجلس النواب المحلي (64 من 100)، ما يمنحهم فرصة لإعادة تقسيم الدوائر لصالحهم.
أما في نيوجيرسي، ففازت ميكي شيريل رغم تراجع شعبية الحاكم الديمقراطي مورفي، إذ عبّر 65% من الناخبين عن عدم رضاهم عن مسار البلاد و41% صوّتوا جزئياً لمعارضة ترامب.
وامتدت الموجة إلى ولايات أخرى: فاز الديمقراطيون في جورجيا بمقعدين في لجنة المرافق العامة (63% مقابل 37%)، وفي ميسيسيبي بمقعدين في مجلس الشيوخ، فيما أقرّ استفتاء كاليفورنيا على إعادة تقسيم الدوائر بنسبة 2 إلى 1، ما قد يمنح الديمقراطيين خمسة مقاعد جديدة في الكونغرس.
ركز الديمقراطيون على قضايا المعيشة والتكلفة، متجنبين المآزق الثقافية اليسارية التي طغت في عهد بايدن، بينما تراجعت شعبية ترامب الاقتصادية مع تضخمٍ عالق عند 3% ورسوم جمركية متقلبة.