ملفات وتقارير

هل منح الرئيس ترامب موسكو "كل ما تريده" على حساب كييف؟

الاتحاد الأوروبي يطالب بإشراكه لإنجاح أي خطة سلام ويرفض تجاوز كييف - جيتي
تتصاعد الانتقادات لخطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن إنهاء الحرب بين روسيا وأكرانيا، على اعتبار أنها تعترف باحتلال مساحات شاسعة داخل الأراضي الأوكرانية.

ونشرت وكالة "أسوشييتد برس"، نسخة من خطة مكونة من 28 بندا قالت إن الإدارة الأمريكية أعدتها لإنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وبحسب تقارير إعلامية، اعترضت كييف على عدة بنود في الخطة المقترحة، من بينها ما يتعلق بتخلي أوكرانيا عن أراضٍ إضافية في الشرق، وقبولها بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) نهائيًا، حيث  أشار الرئيس ترامب إلى أنه حدد 27 تشرين الثاني/ نوفمبر موعدا نهائيا لأوكرانيا لقبول خطة إدارته الرامية إلى إنهاء الحرب مع روسيا، وفقا لوكالة "فرانس برس".


مضمون الخطة الأمريكية
تدعو خطة ترامب المؤلفة من 28 بندا أوكرانيا إلى التخلي عن جزء من أراضيها، وتقليص حجم جيشها، وإجراء انتخابات خلال مئة يوم، والتعهد بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو، كما تتضمن الاعتراف بسيطرة روسيا على لوغانسك ودونيتسك وشبه جزيرة القرم، وتجميد خط التماس في خيرسون وزابوريجيا، وانسحاب القوات الأوكرانية من الجزء الذي تسيطر عليه في منطقة دونيتسك.


وتشير المسودة إلى أن روسيا ستحتفظ بمعظم الأراضي التي استولت عليها، بينما تتخلى عن جيوب محدودة في خاركيف ودنيبروبيتروفسك، وتنص أيضا على أن تحصل أوكرانيا على ضمانات أمنية موثوقة، وأن لا يتجاوز عدد قواتها المسلحة 600 ألف جندي، وأن تُستخدم 100 مليار دولار من الأصول الروسية المجمّدة في مشاريع تقودها الولايات المتحدة، مع حصول واشنطن على نصف العوائد. كما تدعو إلى بدء مناقشات حول رفع العقوبات عن موسكو وعودتها إلى مجموعة الثماني، وإلى تمركز طائرات مقاتلة أوروبية في بولندا.

ترامب يضع زيلينسكي في الزاوية
مصادر أمريكية قالت إن واشنطن منحت كييف أسبوعًا للرد على الخطة، ولوّحت باحتمال وقف إمدادات الأسلحة وتبادل المعلومات إذا رفضت أوكرانيا المقترح، وأكد وفد عسكري أمريكي زار كييف أن واشنطن ترغب في جدول زمني سريع للتوصل إلى اتفاق، وقالت وكالة Reuters إن واشنطن أبلغت فلاديمير زيلينسكي بضرورة قبول الخطة، في حين أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن المبادرة الأمريكية يمكن أن تشكل أساسا لتسوية نهائية، مؤكدا استعداد موسكو للتفاوض مع استمرار العمل العسكري حتى تحقيق أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا بالقوة إن لم يتسنّ ذلك بالتفاوض.

"أتعهد بعدم خيانة أوكرانيا"
أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه سيطرح بدائل للخطة التي قدمتها واشنطن لإنهاء الحرب في أوكرانيا، محذرًا من أن بلاده قد تواجه خيارا صعبا بين الحفاظ على كرامتها وبين خطر خسارة أهم شركائها، وقال زيلينسكي في كلمة مصوّرة إلى الشعب إن بلاده تعيش لحظة حساسة، مؤكدًا أنه لن يخون أوكرانيا وأنه سيقدم ملاحظاته على الوثيقة الأمريكية.


وأضاف أن الضغط على كييف بلغ أعلى مستوياته منذ اندلاع الحرب، وأن بلاده قد تجد نفسها أمام خيار بالغ الصعوبة، بين فقدان الكرامة أو خطر فقدان شريك رئيسي. وأوضح أنه سيقاتل لضمان الدفاع عن كرامة وحرية الأوكرانيين في أي اتفاق يتم بحثه.

اتصالات طارئة مع القادة الأوروبيين
وجاء خطاب زيلينسكي بعد اتصالات مكثفة أجراها مع قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وقال إنه ناقش الخطة مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، مؤكدًا أن كييف تعمل على الورقة التي أعدتها الولايات المتحدة، وأن أي خطة يجب أن تضمن سلامًا حقيقيًا ومشرفًا لأوكرانيا,



تناقض المواقف الأوروبية بشأن خطة ترامب
من جانب آخر، أصدرت 10 دول داعمة لكييف إلى جانب الاتحاد الأوروبي بيانا مشتركا يصف الخطة الأمريكية بأنها أساس للسلام في أوكرانيا، وذلك بعد اجتماع لقادتها على هامش قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، وقال زعماء الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا وهولندا وإسبانيا وفنلندا وإيطاليا واليابان والنرويج إن "المسودة الأولية للخطة المكونة من 28 بندا تتضمن عناصر مهمة ستكون أساسية لتحقيق سلام عادل ودائم".

ووجهت عواصم أوروبية كثيرة انتقادات متفاوتة للخطة الأمريكية التي تؤيد المطالب الرئيسية لموسكو، إذ حاول الزعماء الموازنة بين الإشادة بترامب لمحاولته إنهاء الحرب وإدراكهم في الوقت نفسه أن بعض بنود الخطة غير مقبولة لكييف، وقال دبلوماسي أوروبي إن "أي اتفاق بشأن أوكرانيا لا يمكن أن يتضمن اعترافا بالاحتلال".


كما وصف مسؤولون أوروبيون الخطة بأنها غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ، وأفادت صحيفة "بيلد" الألمانية، أن قادة الدول الأوروبية الكبرى غير راضين عن المقترحات الخاصة بالاعتراف بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم، ومنطقة دونباس، ومناطق أخرى، بالإضافة إلى ذلك، يعتبرون مواضيع التقليص المحتمل لعديد الجيش الأوكراني، والضمانات الأمنية، وكذلك استخدام الأصول الروسية المجمدة مواضيع ذات إشكالية ويعتزمون مناقشتها مع الولايات المتحدة، وفي تصريحات نقلتها صحيفة Politico أبدى مسؤول أوروبي رفيع في بروكسل سخرية من الخطة الأمريكية، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يملك صلاحية فك تجميد الأصول الروسية في أوروبا.

كالاس: لا يحق لروسيا أن تطالب أوكرانيا بأي تنازلات
من جهتها، صرحت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية كايا كالاس، بأنه لا يحق لروسيا أن تطالب أوكرانيا بأي تنازلات، وقالت كالاس في تصريحات لقناة "سكاي نيوز": "لا يحق لروسيا أن تطالب أوكرانيا بأي تنازلات بخصوص خطة ترامب لتسوية النزاع"، ونفت كالاس في وقت سابق، مشاركة أي دولة في الاتحاد الأوروبي في إعداد خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتسوية في أوكرانيا، مؤكدة أن "الاتحاد الأوروبي يرى خطة واحدة فقط - إضعاف روسيا ودعم أوكرانيا".

أول رد لبوتين
من جهته، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن أوكرانيا وشركاؤها الأوروبيون لا يزالون متوهمين بإمكانية هزيمة روسيا في ساحة المعركة، وأضاف: "أُرجع ذلك إلى نقص الكفاءة والمعلومات الموضوعية حول الوضع الفعلي على خطوط المواجهة. لا أوكرانيا ولا أوروبا تُدركان إلى أين قد يؤدي هذا المسار في النهاية".


وقال بوتين: "إذا لم ترغب أوكرانيا في مناقشة مقترح الرئيس ترامب للسلام، فهذا مقبول لدينا؛ فهو يسمح بتحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة بالوسائل العسكرية. ومع ذلك، وكما ذكرتُ مرارًا، نحن مستعدون للتفاوض لحل المشاكل سلميًا. لكن هذا يتطلب مناقشة موضوعية لجميع تفاصيل الخطة المقترحة. نحن مستعدون لذلك".

ترامب: خطتي لأوكرانيا ليست نهائية
نفى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تكون خطته لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية عرضا نهائيا، رغم إعلانه، الجمعة، عن مهلة لكييف لقبولها، في حين قال زعماء غربيون في بيان مشترك إن الخطة تحتاج مزيدا من العمل، وقال ترامب، في تصريحات للصحفيين، "يجب أن تنتهي الحرب بطريقة أو بأخرى". لكن حين سئل إن كان هذا هو عرضه النهائي، أجاب "لا".

وقال ترامب من المكتب البيضاوي بعد لقاء مع زهران ممداني، عمدة نيويورك المنتخب: "أوكرانيا ستضطر في مرحلة ما إلى قبول شيء ما.. نعتقد أننا وجدنا طريقًا للسلام، وسيضطر زيلينسكي إلى الموافقة.. كنت أعتقد أنه كان يجب أن يبرم صفقة منذ عام أو عامين"، وعند سؤاله عن شعور زيلينسكي بفقدان "الكرامة"، رد ترامب: "إذا لم يعجبه، فعليهم الاستمرار في القتال"، من جهته قال ستيفن ميلر، نائب كبير موظفي البيت الأبيض، إن ترامب يسعى إلى "تسوية تنهي حرب أوكرانيا وروسيا" بهدف وقف "القتل والمجازر التي تطال الأبرياء"، أما وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، قال عبر منصة "إكس" أن "المسؤولين الأمريكيين يضعون أفكارا محتملة من أجل اتفاق سلام دائم يتطلب "تنازلات صعبة ولكن ضرورية".


فانس يدافع عن خطة ترامب
بدوره، دافع نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس عن "خطة السلام" التي أعدّها الرئيس ترامب لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، معتبرا أن منتقدي الخطة إما أساؤوا فهمها أو لديهم تصورات خاطئة عن الحقائق على الأرض، جاء ذلك في تدوينة له بحسابه على منصة شركة "إكس".


وأوضح فانس أن أي خطة تتعلق بالسلام يجب أن توقف الخسائر البشرية مع الحفاظ على سيادة أوكرانيا، وأن تكون مقبولة من كلٍّ من روسيا وأوكرانيا، مشددًا كذلك على ضرورة تقليل احتمال اندلاع الحرب من جديد، مضيفًا: "هناك وهمٌ يقول إنه مع مزيد من الأموال والأسلحة والعقوبات يمكن الوصول إلى النصر. السلام لن يجلبه السياسيون الفاشلون الذين يعيشون في عالم من الخيال".

هل منح ترامب روسيا "كل ما تريده تقريبا"؟
في تحليل لشبكة "سي أن أن" لخطة ترامب، جاء فيه، إن مسودة خطة الرئيس الأمريكي، المكونة من 28 نقطة، والتي سُرّبت على نطاق واسع، تُعدّ قفزةً مُرعبةً إلى الوراء بالنسبة لكييف، فقد شارك في صياغتها الروس الذين أرادوا التظاهر بأنهم مُنخرطون في السلام، وتداولها الأوكرانيون والأوروبيون الذين شعروا أنها سخيفة لدرجة أنها ستموت حتمًا بمجرد وصول الأكسجين إليها.

ويشبه نصّ الخطة في جزء كبير منه المواقف المتشددة التي اتخذتها روسيا خلال محادثات إسطنبول 2022، عندما كانت قواتها تسيطر على المزيد من الأراضي الأوكرانية، وكان الإحراج العسكري البطيء والمُرهق الذي واجهته خلال السنوات الثلاث الماضية لا يزال أمامها.

وأشارت الشبكة الإخبارية، إن توقيت هذه الخطة المُجدّدة، والتي بادرت بها موسكو في الغالب، هو أمرٌ أساسي، وربما تكون القوات الروسية في أفضل وضع لها منذ عام تقريبًا، فهي على بُعد أسابيع، بل أيام، من السيطرة على بوكروفسك، المركز العسكري الشرقي المحاصر، وهو موقع ذو أهمية بالغة وأهمية استراتيجية بالغة، دار حوله قتال شرس منذ الصيف الماضي، وتتمركز قواتها على أطرافها الجنوبية، وإذا سيطرت عليها، فلن تواجه سوى عدد قليل من المراكز السكانية الكبيرة غربها الخاضعة للسيطرة الأوكرانية قبل أن تقترب من العاصمة كييف.

كما أن هذه الأرض في معظمها مسطحة ومفتوحة، وهي مثالية للتقدم السريع، وقد حققت موسكو اختراقًا عبر منطقة  زابوريجيا، مستخدمةً المدرعات وحركت قواتها على مقربة شديدة من مدينة  زابوريجيا، لتستولي مرة أخرى على أراضٍ مفتوحة ومنبسطة ستظل عرضة للخطر خلال فصل الشتاء، في المقابل، لا تزال أوكرانيا تشهد معدلات عالية من الفرار من الخدمة العسكرية وتجنّب التجنيد، مما يزيد من مشاكلها البشرية الخطيرة، وقد تآكلت مِيزة كييف في مجال الطائرات المسيرة بسبب التعلم والابتكار الروسي السريع.


كما  ويعاني الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضًا من تراجع شعبيته، إذ يواجه تداعيات فضيحة فساد متواصلة ومفصلة بعمق، تمس دائرته المقربة، والأمر الذي يتحمله الأوكرانيون يوميًا: انقطاع التيار الكهربائي، ومن الواضح أن المبادرة الروسية تهدف إلى استغلال لحظة ضعف غير مسبوقة تمر بها أوكرانيا، في ظل أزمة سياسية داخلية تهدد بعرقلة زيلينسكي في مواجهة حالات الطوارئ على الخطوط الأمامية.

سلسلة من المطالب المتشددة
 وقد يفسر التوقيت المروع لكييف أيضًا سبب إقدام موسكو مرة أخرى على تقديم سلسلة من المطالب المتشددة التي رفضتها أوكرانيا وحلفاؤها رفضًا قاطعًا ومتكررًا، ووصفها دبلوماسي أوروبي بأنها الفيلم الشهير "يوم جرذ الأرض" لكن في الفيلم، لم تكن مشكلة تكرار ذلك اليوم أنه أصبح متوقعًا ومملًا، بل كان يُجبر المرء على عيشه باستمرار.

تخدم النقاط الـ28 المسربة غرضين لموسكو، فهي تُمثل نقطة انطلاق مفيدة للغاية، لدرجة أن تحقيق أجزاء منها يعد فوزا كبيرا كما أنها توفر صرحًا يمكن للدبلوماسيين الروس العودة إليه باستمرار إذا رغبوا في ذلك، مرة أخرى، لإبطاء وتيرة الدبلوماسية بينما يتمتع جيشهم بالأفضلية، حيث كانت مطالبة أوكرانيا برفض عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) دستوريا، ونزع النازية، وضمان حيادها، والحد من حجم قواتها المسلحة، واردة في وثيقة إسطنبول 2022.

أموال الإعمار.. "مشاريع أمريكية روسية مشتركة"
 ثم، في ذروة طموح الغزو الروسي الأولي، كانت هذه المطالبات عبارة عن مجموعة غامضة من الشروط المتشددة التي تُعادل شكلًا من أشكال الاستسلام الأوكراني، ولطالما نجت أوكرانيا بثبات منذ تلك المناورة، لكنها ضعفت بسبب القتال، ويبدو استخدام 100 مليار دولار من الأموال الروسية المجمدة لإعادة إعمار أوكرانيا، ظاهريًا، تنازلًا روسيًا، ومع ذلك، فإن أكثر المناطق تضررًا من الحرب في أوكرانيا تقع تحت الاحتلال الروسي، وستذهب هذه الأموال إلى روسيا لتنفيذ إعادة الإعمار بموجب شروطها. 

وتقترح الخطة أن يذهب نصف أي أرباح من إعادة الإعمار بطريقة ما إلى الولايات المتحدة، وأن يُستثمر جزء من الأموال في مشاريع أمريكية روسية مشتركة أخرى، إن فرص استعادة موسكو لجزء كبير من هذه الأموال هائلة، كما تقترح الخطة رفع العقوبات الدولية بالكامل، وهو ما سيُمثل بحد ذاته هبة مالية ضخمة.

انتخابات بشروط قسرية
وهناك 3 نقاط خفية أخرى في هذه الوجبة المتكررة من العصيدة الدبلوماسية الروسية، أولها هو المطالبة بإجراء انتخابات بعد 100 يوم من توقيع الاتفاق، وهذا، في معظم الأحوال، مستحيل تقنيًا نظرًا لتحديات تسريح القوات، واللوجستيات في زمن الحرب، والإصلاح القانوني، وستكون النتيجة انتخابات متسرعة وسوء تنفيذ، مما يُسفر عن حكومة مشكوك في شرعيتها، ويُتيح مساحة واسعة للتضليل والتلاعب بما يكفي للروس لشن هجوم آخر، مع وجود مرشحهم المفضل في المقدمة.

ولا يمكن لزيلينسكي قبول هذا الموعد النهائي، وكانت الانتخابات المبكرة مجرد خدعة روسية من أوائل هذا العام، ويبدو أن إدارة ترامب قد تخلت عنها، إن إحياء هذه الخدعة ومعه مناقشة مدى صلاحية زيلينسكي يعود للظهور في وقت ضعف جديد لهذا الزعيم في زمن الحرب.

نزع للسلاح تحت تهديد السلاح
ثانيًا، المفهوم المُربك محاولة تحويل أجزاء من منطقة دونباس الشرقية الخاضعة حاليًا للسيطرة الأوكرانية إلى منطقة منزوعة السلاح، تُعتبر تقنيًا جزءًا من روسيا، وهذا يعني تسليمها للقوات "المدنية" الروسية، وهذه أرض ستضطر موسكو، لولا ذلك، إلى خوض معركة شرسة على مدار العام المقبل، وحتى التسوية بإعلان هذه المنطقة منطقةً منزوعة السلاح، تُمنع فيها جيوش كلا الجانبين من دخولها، تُغذي تاريخ روسيا العريق في استخدام "الميليشيات الشعبية" للتسلل إلى الأراضي وإعلان ثورة شعبية لصالح موسكو.

ولا يستطيع زيلينسكي التنازل عن مدينة كراماتورسك، حيث سيمنح ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حصنًا عسكريًا يُمكّنه من شن هجومٍ آخر أسهل على كييف عبر أرضٍ مفتوحة، ربما في غضون أشهر. 
وسيعرض زيلينسكي لتحديات سياسية داخلية، وتُدرك موسكو هذا، لكنها تصر على العودة إليه على أمل أن يقنع ترامب في النهاية باعتبار هذا التنازل جزءا ضروريا من أي حل.

تهمة الـ"نازية".. مبرر لتجددالحرب
ثالثًا، صياغة الخطة المُتداول غامضة، وتبدو أحيانا مترجمة على عجل من الروسية أو الأوكرانية، ويتضمن عدة بنود "إعادة فرض العقوبات"، وينص أحدها على أن الضمانات الأمنية الأوكرانية "ستُعتبر باطلة" إذا أطلقت صاروخا على "موسكو أو سانت بطرسبرغ دون سبب" - وهو تحذير ذو أهمية كبيرة ونطاق تفسير واسع،  وسيكون لروسيا وجهة نظر مختلفة حول ماهية "السبب" الذي يعتبر قويا بما يكفي عن وجهة نظر أوكرانيا، وتطالب الخطة أيضًا بـ"رفض أو حظر جميع الأيديولوجيات والأنشطة النازية" في أوكرانيا، وهو تكرار للكذب الروسي - أنها تواجه حكومة كييف التي يديرها متشددون نازيون.

كسب الوقت أصبح مرجعًا لأي اتفاق مستقبلي
ويضيف تحليل شبكة "سي أن أن"، بالقول إنه إذا كان هناك أي خطأ روسي في هذه الوثيقة، فهو ليس في توقيتها أو عنادها الصريح، بل في عرضها الواضح لاحتفاظ موسكو بمعظم مطالبها المتشددة كنقطة انطلاق، وقد أثار ذلك غضب ترامب في الماضي، بل أدى إلى فرض الولايات المتحدة أشد العقوبات حتى الآن على روسيا، ضد شركتي النفط العملاقتين روسنفت ولوك أويل.


لكن الكرملين أدرك جيدًا تقدمه الكبير في ساحة المعركة، والاضطرابات الداخلية في أوكرانيا وهشاشة خط المواجهة، ومخاوف أوروبا بشأن المدة التي يمكنها فيها تمويل دفاع كييف، وتوق ترامب الطاغي لجائزة نوبل للسلام 2026، فحاول إعادة صياغة القديم، وإذا كسب الوقت، نجح وإذا صمدت ثلثه، أو أصبح مرجعًا لأي اتفاق مستقبلي، نجح، وفي العام الماضي، جربت كل الحلول الأخرى تقريبا مرة واحدة، لذا، فإن إعادة تجربة الفكرة القديمة السيئة أمر منطقي تماما بالنسبة لموسكو.

"التنازل لبوتين لن يحقق السلام"
من جهتهم، عبّر 5 أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي عن مخاوفهم بشأن تفاصيل خطة ترامب، مؤكدين أن "السلام الدائم لن يتحقق بتقديم التنازلات لبوتين وإضعاف قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها"، وأضاف الأعضاء الخمسة -وهم الديمقراطيون جين شاهين وبيتر ويلش وكريس كونز والجمهوري توم تيليس والمستقل أنغوس كينغ- أن الرئيس الروسي "لا يفهم إلا القوة ولن يلتزم بأي اتفاق ما لم يكن مدعوما بالقوة".

خطة ترامب.. تتجاهل العدالة
وفي السياق، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، إن خطة السلام التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين روسيا وأوكرانيا تتجاهل الحاجة إلى تحقيق العدالة بشأن الفظائع التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا، مشددة على أنه ينبغي للحكومات أن تعمل بشكل عاجل على تعزيز الجهود الرامية إلى دعم العدالة ذات المصداقية وحماية المدنيين.


اجتماع لـ"تحالف الراغبين"
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن اجتماع مرتقب لدول "تحالف الراغبين"، لبحث الخطة الأمريكية لإحلال السلام في أوكرانيا، جاء ذلك في تصريحات صحفية أدلاها، على هامش قمة مجموعة العشرين المنعقدة بمدينة جوهانسبورغ في جنوب إفريقيا.

وحول "خطة السلام" الأمريكية بشأن أوكرانيا، قال الرئيس الفرنسي إنه "من الجيد أنها تقترح السلام وتعترف بالعناصر المهمة المتعلقة بالسيادة والضمانات الأمنية"، وأضاف أن أي مبادرة موجهة نحو تحقيق السلام في أوكرانيا "أمر إيجابي"، مشددا في الوقت نفسه على أن الأوروبيين يفضلون السلام الذي يأخذ في الاعتبار عناصر أمنهم الخاصة أيضًا، أشار إلى أن "خطة السلام" الأمريكية، رغم عدم التفاوض مع الأوروبيين بشأنها، تعبّر عن الكثير نيابة عنهم، وأفاد ماكرون بأن المفاوضين الأمريكيين والأوكرانيين والأوروبيين سيتوجهون إلى جنيف، الأحد، فيما ستجتمع دول "تحالف الراغبين" عبر تقنية الفيديو كونفرانس، يوم 25 تشرين الأول/نوفمبر الجاري.