ملفات وتقارير

من "مستشفى الموت" إلى البرلمان.. تفاصيل صرخة أكادير لـ"الصحة العمومية" في المغرب

أزمة مستشفى الحسن الثاني الجهوي بمدينة أكادير وصلت إلى البرلمان- أكس
أزمة مستشفى الحسن الثاني الجهوي بمدينة أكادير وصلت إلى البرلمان- أكس
حين تلج مستشفى الحسن الثاني، في قلب مدينة أكادير، جنوب المغرب، تستقبلك رائحة الانتظار وصدى الآهات. هناك، لا يتحدث المرضى ولا ذووهم ولا حتى جزء من الطاقم الطبي بلغة المواعيد، بل بلغة تُوصف في أحسن الأحوال بـ"البؤس". لذا، لم يكن غريبا أن يُلقّب في أوساط الناس بـ"مستشفى الموت"، تعبيرا عن ألم جماعي، ورفض قاطع لواقع صحي مُتهالك.

وعقب احتجاجات أمام المستشفى، خلال الأيام القليلة الماضية، وُثّقت على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي؛ قَدِم وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، يحمل معه قرارات صارمة: إعفاء مدير المستشفى، مسؤولي المندوبية الإقليمية والمديرية الجهوية، تشكيل لجنة مركزية، توقيع عقود صيانة طبية، التخلّص من شركات المناولة غير الموثوقة.

الوزير المغربي وعد في تصريحاته الإعلامية، بـ"معالجة غياب الأطر، وتزويد المستشفى بالمعدّات والأدوية". فيما رجّت التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب بالقول: "صُوَر رسمية وكلمات مطمئنة، لكن هل هناك تغيير فعلي في المنهج؟ أم مجرد تغيير في الأشخاص؟".


القصة من البداية.. 
"الشعب يريد إسقاط الفساد" اهتزّت أصوات المئات من المحتجين من أمام المستشفى بمدينة أكادير، مبرزين في الوقت نفسه أنّ: "المستشفيات العمومية، جرّاء لسياسة خوصصة القطاعات الاجتماعية التي تبنّتها الحكومات المتعاقبة، باتت تُترك لتنهار تحت وطأة الإهمال، بينما يُدفع المواطن قسرا نحو المصحات الخاصة التي تمصّ دماءه؛ دون رحمة ولا شفقة".

وأكّد المحتجّجين، عبر تصريحات متسارعة، رصدتها "عربي21" في الساعات الماضية، أنّ: "المستشفى العمومي الذي يستقبل مرضى جهة سوس ماسة، بأكملها، مع حالات قادمة من مختلف الأقاليم الجنوبية، لا يتوفّر على الإمكانيات البشرية واللوجيستيكية الكفيلة بتلبية حاجيات المرضى ومطالبهم المشروعة".

وبحسب معطيات توصّلت إليها "عربي21" فإنّ المديرة الجهوية للصحة بسوس ماسة، لمياء شاكري، التي جرى إعفاؤها خلال سنة 2022 من نفس المنصب بجهة مراكش آسفي، هي من أشعلت غضب ساكنة أكادير، للخروج في احتجاجات وُصفت بـ"العارمة" وذلك نتيجة تصريحاتها الأخيرة. 

وكانت المديرة الجهوية للصحة بجهة سوس ماسة، نفسها، قد أقرّت بوجود نقائص كبيرة في المستشفى، وأكّدت أنّ: قسم المستعجلات استقبل 63 ألف مريض خلال النصف الأول من 2025 بمعدل يومي بين 150 و250 حالة. 

كذلك، ما دفع الساكنة للاحتجاج، هو وفاة 8 نساء حوامل في قسم الولادة بالمستشفى نفسه، ما أثار موجة من التساؤلات بخصوص شروط السلامة الطبية ومعايير المراقبة داخل المستشفى، خاصة في ظل غياب توضيحات من المديرية الجهوية للصحة، رغم محاولاتها تقديم بعض البيانات الجزئية.

تجدر الإشارة إلى أنّ مستشفى الحسن الثاني، تأسّس خلال عام 1967، فيما تشير المعطيات المتوفّرة إلى أنّ: "لا يزال يحتفظ بنفس بنيته التحتية وطاقته الاستيعابية الأصلية، منذ إنشائه، مع الزّيادة في عدد الكوادر الطبية لمواكبة الاحتياجات المتزايدة للمرضى".

ورصدت "عربي21" تسارع إدراج وسم: "مونديال_الصحة"، على منشورات التواصل الاجتماعي، للمطالبة بـ"تحسين الخدمات الصحية للمواطنين".



ماذا يقول القانون؟
منسق الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، عبد الإله بنعبد السلام، أبرز في عدّة تصريحات صحفية، أنّ: "ما وقع بأكادير ليس حادثا معزولا، بل انعكاس لواقع الصحة في المغرب"، مردفا: "إن معاناة المواطنين؛ مع المواعيد قد تصل إلى سنتين لإجراء الفحص بالأشعة (سكانير)، وأثمان أدوية تفوق قدرة فئات واسعة، مع فاقم حالات مرضية كالسرطان نتيجة غياب العلاج المبكر".

وتابع  بنعبد السلام: "الدولة تستثمر في الملاعب والقطارات السريعة فيما تغضّ الطرف عن الاستثمار الحقيقي؛ أي في الإنسان وصحته وكرامته". وأكّد مهتمّين بالشأن العام في المغرب لـ"عربي21" أنّ: "الخوصصة غير المباشرة تُفرغ الفصل 31 من الدستور من مضمونه، وتتناقض مع التزامات المغرب الدولية؛ خصوصًا المادة 12 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".

"على الرغم من أن ميزانية الصحة العمومية، في المغرب، قد ارتفعت من 23 مليار درهم سنة 2022 إلى حوالي 28 مليار درهم سنة 2023، إلاّ أنّ هذا التطور المالي لم ينعكس على تحسين الخدمات في القرى والجبال ولا حتى في المستشفيات العمومية بالمدن" يبرز المتحدّثين أنفسهم.

وتابعو: "البرامج المجتمعية المعلن عنها، من قبيل: "فك العزلة" و"النموذج الجديد للصحة المجتمعية"، تظل بطيئة التنفيذ وغير كافية لمواجهة الخصاص البنيوي؛ وفي المقابل تتزايد الاستثمارات في عدّة قطاعات أخرى، أبرزها الملاعب الرّياضية".

اظهار أخبار متعلقة


صوت المحتجّين يصل للبرلمان.. 
أزمة مستشفى الحسن الثاني الجهوي بمدينة أكادير، وصلت إلى قلب أروقة البرلمان، بعد أن فجّرت الاحتجاجات الشعبية الواسعة أمام بوابته، على خلفية ما وُصف بـ"تدهور خطير في مستوى الخدمات الصحية"، مع اتّهامات بالتقصير في رعاية المرضى، خاصة في أقسام المستعجلات والولادة.

النائبة البرلمانية عن فريق التقدم والاشتراكية، لبنى الصغيري، وجّهت سؤالا، إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، بالقول إنّ: "المستشفى يعاني منذ سنوات من تراكم اختلالات خطيرة تمس مختلف جوانب عمله، بدءا من النقص الحاد في المستلزمات الطبية والبيولوجية، وغياب التجهيزات الحيوية، وصولا إلى ضعف أسطول سيارات الإسعاف وتعطل عدد من القاعات الأساسية، بما فيها قاعات العمليات".

وأضافت الصغيري أنّ: "هذه الاختلالات لم تعد مجرد ملاحظات تقنية أو أعطاب ظرفية، بل تحولت إلى مشهد يومي يهدد حياة المرضى ويمس بكرامتهم، كما يضع الأطر الصحية أمام ظروف غير إنسانية للعمل"، مبرزة أنّ: "الاحتقان الاجتماعي بلغ مداه يوم أمس، بعد خروج مواطنين ومرضى وذويهم في احتجاجات حاشدة أمام المستشفى، للتنديد بما وصفوه بانهيار الخدمات الصحية وفضح مظاهر الإهمال".

من جهته، المستشار البرلماني عن الفريق الاشتراكي (المعارضة)، يوسف إيدي، وجّه سؤالا، إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، موردا فيه أنّ: "الوقفة الاحتجاجية التي نظمها مواطنون أمام المستشفى الجهوي الحسن الثاني يوم السبت 14 شتنبر الجاري، لم تكن سوى نتيجة طبيعية لما يعيشه القطاع من أعطاب مزمنة واختلالات عميقة".


"المستشفى الجهوي، الذي من المفترض أن يشكل دعامة أساسية للعرض الصحي بالجهة، تحول إلى ما يشبه قاعة انتظار ضخمة لتوجيه المرضى نحو القطاع الخاص، بدل أن يضطلع بدوره المرجعي في التكفل بأزيد من ثلاثة ملايين نسمة" وفقا للمستشار البرلماني نفسه.

إلى ذلك، أوضح أنّ: المؤشرات الميدانية تؤكد تراجعا في معدلات الاستشفاء وتقلصًا لافتا في أيام العلاج، مقابل ارتفاع حالات الوفيات خاصة في أقسام الولادة والمستعجلات، وذلك في ظل خصاص مهول في الموارد البشرية وضعف توزيعها، ناهيك عن هشاشة البنيات والتجهيزات الطبية ونقص الأدوية الأساسية.

اظهار أخبار متعلقة


وأّكّد أنّ: غياب التحفيزات للأطر الصحية زاد من تعميق الأزمة، في وقت تعرف فيه الجهة بروز أمراض وبائية مثل داء بوحمرون وانتشار السل المقاوم، مع مؤشرات مقلقة على ظهور أمراض وبائية أخرى.

وفي السياق نفسه، طالبت النائبة البرلمانية عن فريق الأصالة والمعاصرة، نجوى كوكوس، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، بـ"فتح تحقيق شفاف حول ملابسات وفاة طفلة حديثة الولادة بسبب غياب الحاضنات الاصطناعية في قسم النساء والتوليد بمستشفى عبد الرحيم الهاروشي بالدار البيضاء"، ما يشير إلى أنّ الواقع الصحّي المؤسف لا يتعلّق بمستشفى واحد فقط.

وعبر سؤال كتابي إلى وزير الصحة، قالت كوكس: "أحدث صدمة لدى عائلة الضحية، رغم بحثها المضني بإمكاناتها الخاصة، عن الحاضنة الاصطناعية لكن دون جدوى، ما يطرح سؤالا كبيرا حول واقع تدبير هذا المستشفى".
التعليقات (0)

خبر عاجل