حضور رسمي لمولد البدوي يثير الجدل.. هل يرعى النظام المصري التصوف؟
القاهرة- عربي2119-Oct-2503:53 PM
0
شارك
علي جمعة استبق الغضب في الشارع المصري بهجوم عكسي - حسابه الرسمي على الفيسبوك
فجر حضور وزير الأوقاف
المصري أسامة الأزهري، المثير للجدل بتوجهه الصوفي، مولد "السيد البدوي"،
الشهير بمدينة طنطا (دلتا النيل)، غضبا واسعا، لما شهده الاحتفال من مشاهد يقوم بها
من يطلق عليهم "مجاذيب الصوفية"، يرى كثيرون أنها لا تمت لصحيح الدين بصلة.
وعبر مواقع التواصل
الاجتماعي تداولت مقاطع مصورة لأفعال وصفت بـ"الشاذة والغريبة"، باحتفال
حضره وفق بعض التقديرات مليون شخص، ورعاه الأزهري، ومفتي مصر الأسبق علي جمعة، ما أعاد
للواجهة جدلا قديما متجددا بين السلفيين والصوفيين، حول جواز تلك الاحتفالات ومشروعية
التبرك بالأضرحة وزيارة الأولياء.
حضور الوزير، مولد
السيد البدوي، دفع الإعلامي عمرو أديب، للقول عبر فضائية "إم بي سي مصر"
السعودية: "حينما أجد وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية الأسبق في مولد السيد البدوي،
فمعني هذا أنه أمر مباح".
وتداول نشطاء مشاهد
وصفوها بـ"الجهل" و"الشرك"، لتقبيل مريدون أعتاب السيد البدوي،
والتمسح والتبرك بضريحه، والبكاء عنده، وطلب المدد والعون علنا منه، بجانب مشاهد مثيرة
من حفلات بالمولد كالتمايل، والهذيان بكلام غير مفهوم، وارتداء ملابس غريبة، أبطالها
بسطاء، وفقراء، ومشردون.
كل مظاهر العته والجهل والكفر والشرك بالله تحدث كل عام فيما يسمى زوراً "بمسجد" السيد أحمد البدوى ....
رسائل الأزهري وجمعة وأشار مراقبون إلى
أن الأمر لم يخل من رسائل سياسية ودينية، مشيرين إلى إرسال وزير الأوقاف تحية لرئيس
النظام عبد الفتاح السيسي، بمناسبة مولد البدوي، ملمحين إلى حديث الأزهري عن
"التلاحم الوطني" في رحاب الأولياء الصالحين، وتأكيده أن مصر محفوظة ببركتهم.
ولفتوا كذلك إلى أن
الاحتفاء الحكومي بمولد البدوي، حمل رسالة بأن الدولة ترعى الفقراء وتوفر الدعم الغذائي
للفئات الأولى بالرعاية، بافتتاح مطبخ "المحروسة" للإطعام، قرب مسجد البدوي
في طنطا.
واستبق مفتي مصر الأسبق
وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، الصوفي علي جمعة، الغضب في الشارع المصري على
احتفال الدولة بمولد البدوي، بهجوم عكسي، بقوله: إن من يهاجمون مولد سيدي أحمد البدوي
وأمثاله من الأولياء "أصحاب عقيدة فاسدة لا يدركون حقيقة الدين وروح التصوف الإسلامي"،
نافيا أن يكون "إحياء الموالد والمناسبات الدينية مظهرا من مظاهر الشرك أو البدعة".
وقال عن البدوي:
"منذ 825 سنة وهو يجذب الناس أفواجا، وكراماته لم تقف عند حياته بل استمرت إلى
يوم الناس هذا، ولما توسل الناس به استجاب رب العالمين واستقر أنه مقرب من الله".
رجل الكرامات أم الأهداف
السرية وبين مبالغة الصوفية
في سرد كرامات "البدوي" (توفى 675 هـ/1276 م)، وأفعاله الخارقة ومنها:
"إحياء الموتى"، و"إحضار الأسرى من الفرنجة بمعركة المنصورة"،
وتحذير البعض من انتشار الشرك، والخرافات، والجهل، والبدع، والدجل، مع ترديد تلك الروايات،
ذهب مؤرخون وباحثون للبحث عن حقيقته.
البعض لفتوا إلى أن
مؤرخي عصره الموثوقين، كـ"الذهبي" و"الصفدي" بمنتصف القرن السابع
الهجري، حيث عاش البدوي، لم يتناولوا سيرته، فيما يؤكد الإمام أبو الأشبال أحمد شاكر
(1892-1958)، أن أول من ذكر "البدوي"، كان جلال الدين السيوطي المتوفي عام
(911 هـ)، وهو زمن متأخر عن عصر البدوي، كما يشكك البعض بمكانة البدوي، العلمية لعدم
تركه مؤلفات فكرية وتراث ديني يوازي شهرته.
ويرى باحثون أن شخصية
البدوي وحركته لم تكن مجرد تصوف، بل كانت لإحياء الدور الشيعي الباطني عقب سقوط الدولة
الفاطمية، مستندين لاستخدامه "الراية الحمراء" كشعار، وربطوا ذلك بأهداف
سرية.
تكريس الصوفية وإبعاد
الإسلاميين بعيدا عن الحفل الذي
تخللته حضرة صوفية قادها الوزير بنفسه، كان للبعض قراءة أخرى من الحضور الرسمي الحكومي
من وزير الأوقاف، ومحافظ الغربية اللواء أشرف الجندي، وقالوا إن "الدولة تكرث
التوجه نحو الإسلام الصوفي، لإبعاد المصريين عن الأفكار التي ترى فيها الدولة خطرا
عليها".
وهو ما عبر عنه الإعلامي
هيثم أبوخليل، بقوله: "رعاية رسمية من أسامة الأزهري، وعلي جمعة، للموالد والبدع
وللمجاذيب والدراويش؛ لملء فراغ تغييب الإسلاميين".
ولفت متابعون إلى أن
"تلك الصورة التي يجري تكريسها في الشارع المصري برعاية واحتضان الصوفية وتقديم
دعم مالي حكومي وفير لاحتفالاتها وحراسة مواكبها أمنيا، تأتي في توقيت تزايد فيه قلق
النظام المصري من احتفاء المصريين برجال المقاومة الفلسطينية"، وفق قولهم.
وكيل وزارة الأوقاف
الأسبق الشيخ سلامة عبدالقوي، انتقد ما صاحب المولد من استقدام أشهر المنشدين في مصر
(الشيخ ياسين التهامي) لإحياء مولد البدوي بحضور مليون زائر، قائلا: "نجحت أنظمة
الاستبداد العسكري في توظيف التصوف الشعبي لصناعة جمهور من المستضعفين باسم الدين"،
ملمحا إلى وجود "تحالف غير معلن بين العسكر والطرق الصوفية يقوم على تبادل المصالح"،
مشيرا لعدم سماح الدولة بأي تجمع "إلا إذا كان تحت راية الموالد والأضرحة".
ليلة في حب شيخ العرب.. التهامي يحيي احتفالات مولد السيد البدوي أمام مليون زائر بطنطا
ورغم أن الصوفية بمصر
لم تنشغل بالعمل السياسي طوال تاريخها الممتد لحقبة حكم الفاطميين لمصر، (973م–1171م)؛
إلا أنهم مع الانقلاب العسكري منتصف 2013، أعلنوا تأييدهم لقائده عبد الفتاح السيسي،
وشعارهم "لا إله إلا الله، السيسي حبيب الله".
وخلال اقتراع الرئاسة
أعوام 2014، و2018، و2024، وفي استفتاء العام 2019، أعلنت الطرق الصوفية كامل تأييدها
للسيسي، عبر بيانات رسمية من المجلس الأعلى للطرق الصوفية، رئيسا للجمهورية.
وبمصر 6 آلاف ضريح،
و77 طريقة صوفية، مسجل منها 67 طريقة بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية، وتعد "الرفاعية،
والبدوية، والدسوقية، والشاذلية، والقنائية، والقادرية، والخلوتية، والعزمية"
الطرق الرئيسية.
دعم تاريخي وحالي للصوفية وتاريخيا يرتبط تصاعد
المد الصوفي في مصر بدعم الحكام، وكذلك الاحتلال الفرنسي والإنجليزي الذين حكما مصر
لمدة 3 سنوات، و74 عاما على التوالي، ومؤخرا تدعم مراكز البحث الغربية هذا التوجه بشدة
كبديل للإسلام السني في العالم العربي.
وأكدت مؤسسة
"راند" الأمريكية ومراكز أبحاث غربية ضرورة دعم التيارات الإسلامية
"المعتدلة" والتقليدية، بمقدمتها الإسلام الصوفي، لمواجهة أيديولوجيات تعتبرها
"متطرفة" أو "راديكالية"، كالتيارات السلفية والإسلام السياسي،
وفق تقرير "راند": (Building Moderate Muslim Networks)، عام 2007.
أوصى التقرير بدعم
الليبراليين والعلمانيين والحداثيين والتركيز على التيارات التقليدية (بما فيها الصوفية)
في العالم الإسلامي، وذلك على حساب "الأصوليين" أو التيارات "الراديكالية".
تشير التقارير أيضا،
إلى أن الإمارات تمثل شريكا داعما لجهود مراكز الأبحاث الغربية، ولهذه الأجندة كجزء
من استراتيجيتها لمواجهة نفوذ التيارات الحركية مثل (الإخوان المسلمين)، ومعها دول
عربية بينها مصر التي تقوم بدعم التيار الصوفي، ومحاربة باقي التيارات، منذ العام
2013، وفق محللين.
تخدير الشعب وترويضه
وفي حديثه لـ"عربي21"،
قال السياسي المصري محيي عيسى: "محاولة نشر الصوفية ودعمها والعمل على أن تكون
بديلا للإسلام السني حركة ليست وليدة هذا العصر؛ فقد تعمدت الأنظمة السابقة حتى بالعصر
الملكي دعم وإنشاء الطرق الصوفية، مستغلة جهل العامة وحبهم لآل البيت".
البرلماني المصري السابق،
أضاف: "وجدت الأنظمة ضالتها بالطرق الصوفية حيث أنها تشبع الحالة الإيمانية عند
العامة والفقراء وتخدرهم عن الالتفات لحقوقهم بحياة كريمة، ومن ناحية أخرى لا تصطدم
الطرق الصوفية بنظم الحكم ولا تعارضها، بل تدعمها".
وأوضح أنه "منذ
تولي الانقلاب الأخير حكم مصر، واعتقال رموز وقيادات الحركة الإسلامية وإغلاق مؤسساتها
وتجفيف منابع الدعوة؛ عمد النظام توسيع دائرة الفساد الأخلاقي لترويض الشعب، وحتى
لا يُتهم أنه يحارب الدين كان لابد له أن يقدم الدين بصورة صوفية هزلية".
ولفت إلى أنه
"عمل على تعيين وزيرا للأوقاف يحمل فكرا صوفيا، ووسع من دائرة نشر الفكر
الصوفي عن طريق دعم الموالد والطرق، ليكون هذا هو الإسلام البديل الذي، لا يُشكل خطرا
عليه، بل دعما له، وهو أيضا إسلام ترغب أمريكا وإسرائيل على نشره".
تغييب للشعوب وفي حديثه لـ"عربي21"،
يرى السياسي المصري ممدوح إسماعيل، أن "الصوفية بواقعها الحالي بعيدا عن حالة
الزهد القديمة هي حالة إلهاء متعمد تستخدمها النظم لتغييب الشعوب عن الواقع".
وألمح إلى أن "الفرنسي
نابليون بونابرت عند احتلال مصر (1798- 1801) حاول استغلال الصوفية برعاية احتفالاتهم،
لكن كان بعض رؤساء الصوفية عقلاء يعرفون دينهم وعدوهم، وعلى رأسهم الشيخ محمد السادات
(مواليد 1754م)، الذي قاد الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي، وتعرض للاعتقال ومصادرة أمواله".
وأضاف: "واستغل
محمد على باشا (1805 إلى 1848)، الصوفية، لتوطيد حكمه، وعلى هذا سارت أسرته، والإنجليز
عند احتلالهم مصر (1882)؛ لكن وقف لهم شيوخ من الأزهر وعلى رأسهم الشيخ أبوالعلا الخلفاوي (ولد
1820)، في ذات الوقت كان شيخ الأزهر الصوفي المهدي العباسي (1827-1897) مع الخديوي
والاحتلال الإنجليزي".
وواصل: "ضباط
23 يوليو 1952، استخدموا الصوفية لدعم حكمهم بصور مختلفة، لكن رغم تواجد الصوفية
خلف الحكم إلا أن شيخ الأزهر عبدالحليم محمود (1910-1978)، وهو صوفي اتخذ مواقف قوية
ضد تغول السلطة على الشريعة، وخاصة (قانون الأحوال الشخصية)".
وأشار إلى دور
"التيار الإسلامي في نقد أخطاء الصوفية بطريقة الناصح المشفق حتى جاء انقلاب
السيسي، منتصف 2013، وكانت الصوفية إحدى أدواته ضد التيار الإسلامي بشقيه السلفي والإخواني، الذي
حاربه السيسي، بقوة".
ويرى إسماعيل، أن
"مشهد احتفال البدوي بكل مافيه من مخالفات شرعية، وحضور ممثلين عن الدولة، نتاج
تزاوج السلطة والصوفية لخدمة الحاكم"، مبينا أن "الصوفية طوال تاريخها
إلا القليل لم يكن بأدبياتها تفاعل لمقاومة الظلم والاستبداد".
تفريغ الإحباط وتنفيس
الغضب وعبر صفحته بـ"فيسبوك"،
أكد الناشط الدكتور هاني سليمان، أن الحضور الرسمي للوزير، والمفتي الأسبق، يعد تأييدا
واضحا من الدولة للمولد ولما يقوم به زواره من أفعال.
وأوضح أن "ما
يحدث هو من مظاهر (التفريغ) أو (التنفيس) لمشاعر الإحباط والغصب والقهر والهم والوجع
التي يعاني منها المشاركون المندمجون في طقوس تلك الممارسات العبثية، نتيجة للفقر والغُلب
والتهميش الذين يعيشون فيهم".
الهوية الدينية الرسمية وعبر صفحته بـ"فيسبوك"،
قال الباحث علاء عوض، مولد البدوي هذا العام بدا كأنه "عرض رمزي للهوية الدينية
الرسمية في مصر"، مؤكدا أن "الرسالة كانت واضحة: التصوف عنوان الإسلام المصري
المعتدل، والبدوي —من جديد— يصبح رمزا لوحدة الروح والدولة".
وفي مقال له حول الاحتفال،
تحدث عن (البشارة الصوفية بالحكم)، ملمحا إلى أن الظاهر بيبرس أول من صنع لتلك البشارة
قداسة سياسية حين روي أن الشيخ خضر العدوي بشره بذلك، مضيفا أنه "بعد قرون، أعاد
أنور السادات إنتاج المشهد ذاته حين بشره الشيخ أحمد حجاب بحكم مصر".
وتابع: "جاء السيسي
ليكمل هذا الخيط الصوفي الممتد، حين صرّح بأنه رأى بالمنام الرئيس الراحل السادات،
وتنبأ بأنه سيصبح رئيسا لمصر، كما رأى نفسه يحمل سيفا مكتوبا عليه (لا إله إلا الله)
باللون الأحمر".
ويلفت عوض، إلى أن
"اللون الأحمر في الخيال الصوفي لون البدوي ورايته الشهيرة التي ترمز إلى القوة
الروحية؛ ليعود التصوف اليوم ليشكل ركنا أساسيا في هوية الدولة الدينية الوسطية".
تغييب العقول وتحت عنوان "تغييب
العقول"، لفت رئيس مجلس إدارة موقع "الحرية" محمود فؤاد، إلى أن مصر
شهدت هذا الأسبوع تجمع 17 ألف شاب بحفل (موسيقي التكنو) بالأهرامات، ونحو مليون مصري
بمولد السيد البدوي بحضور رسمي من وزير الأوقاف والمفتي السابق للدولة، مؤكدا أن الحدثين
فيهما "تغييب للعقول".