أقر
مجلس الأمن مشروع القرار الأمريكي لنشر قوة استقرار دولية في
قطاع
غزة للحفاظ على وقف إطلاق النار بعد أن أُدخلت عليه تعديلات تتعلق بمسار
الدولة
الفلسطينية وتقرير المصير مشروطا بتقدم الإصلاحات في السلطة
الفلسطينية والتأكيد على أن مجلس السلام
الذي يترأسه ترامب لشؤون الإعمار وبسط السلام أنه انتقالي ومؤقت لمدة سنتين والأهم
أن القرار جعل من مجلس الأمن سلطة رقابية يوجب على السلطة الانتقالية تقديم تقرير
إلى المجلس عن أعماله كل ستة أشهر.
القرار الذي أقرّه المجلس ليس مثاليًّا، وهو انعكاس لدعم الولايات
المتحدة المطلق للاحتلال، وعجز أيّ قوى داخل المجلس أو خارجه عن فرض صيغة تتواءم
مع قرارات الشرعية الدولية تُخلِّص سكان القطاع من الكارثة الإنسانية غير
المسبوقة، وتحقّق طموح الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
المجموعة العربية والإسلامية الراعية لوقف إطلاق النار دعمت القرار وطلبت من روسيا والصين عدم معارضته، لكنّ الفصائل الفلسطينية هاجمته واعتبرته كارثة، لأنه يفرض وصاية تُكرِّس الاحتلال وفصل الضفة عن القطاع، ويضعها في مواجهة القوات الدولية المُكلّفة بنزع السلاح في قطاع غزّة.
مع ذلك، فإن القرار يحاكي ما يُعرَف بالواقعية السياسية، فلا يوجد
بديل في ظل اختلال موازين القوى على الساحة الدولية، وتغوّل نتنياهو بدعم غربي،
واستعداده للعودة إلى مسار الإبادة الجماعية التي استمرّت سنتين، عانى خلالهما
سكان القطاع ما عانوه من الأهوال، ولا يزال أمامهم طريق طويل للتعافي من الكارثة
التي خلّفتها الإبادة.
المجموعة العربية والإسلامية الراعية لوقف إطلاق النار دعمت القرار
وطلبت من روسيا والصين عدم معارضته، لكنّ الفصائل الفلسطينية هاجمته واعتبرته
كارثة، لأنه يفرض وصاية تُكرِّس
الاحتلال وفصل الضفة عن القطاع، ويضعها في مواجهة
القوات الدولية المُكلّفة بنزع السلاح في قطاع غزّة.
مخاوف الفصائل الفلسطينية من القرار مشروعة في ظل الانحياز الأمريكي
الكامل للاحتلال، فحتى بعد وقف إطلاق النار استمرّ الاحتلال في إطلاق النار والقتل
والتدمير وعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية وفق ما نصّ عليه الاتفاق، دون أن يكون
هناك موقف حاسم من الإدارة الأمريكية ورعاة الاتفاق.
لكن في ظل الواقع السياسي المعقّد، ومن تجربة الإبادة التي استمرّت
سنتين، يتوجّب على الفصائل الفلسطينية أن تأخذ مقاربة أخرى، وتنظر إلى الجوانب
الإيجابية في القرار، والتي من أهمّها تدويل اتفاق وقف إطلاق النار للحفاظ عليه
تمهيدًا للبدء في عملية إعادة الإعمار، وإفشال كل مشاريع التهجير التي تم تداولها،
والسيطرة على إدخال المساعدات الإنسانية التي لا تزال تخضع لتحكّم الاحتلال.
رفض القرار قبل وبعد إقراره، والحديث عن مثاليات، ليس خيارًا؛
فالمأساة في قطاع غزة لا تحتمل، وواقع الحال يفرض على الجميع أن يتّسم بالحكمة
والذكاء للمناورة وتمهيد الطريق لتنفيذه بما يحقّق مصالح سكان قطاع غزة، والخروج
بأقل الخسائر السياسية التي تعصف بالقضية الفلسطينية ككل.
يتوجّب على الفصائل الفلسطينية التعامل بإيجابية مع القرار لسحب كلّ
الذرائع التي يتذرّع بها الاحتلال لتقسيم القطاع إلى مناطق خاضعة لسيطرته وأخرى
خاضعة للفصائل، ويصوّر الأولى أنها “جنة الله في الأرض” تنعم بالأمن والأمان وهي
بيئة مناسبة لبدء عمل القوات الدولية وإعادة الإعمار، بينما يصوّر الثانية بأنها
مناطق يسيطر عليها “إرهابيون” وتحكمها الفوضى ويجب أن تُحرَم من مشاريع الإعمار
خلال هذه المرحلة.
اتفاق وقف إطلاق النار الهشّ كان نتاج صفقة مريرة مع الإدارة الأمريكية بوساطة مصرية، قطرية، تركية، نجم عنها بقاء الاحتلال في 54% من أراضي القطاع، ولا يزال القتل والتدمير وعرقلة دخول المساعدات مستمرًّا. فلا مناص من استمرار التنسيق مع الوسطاء لتنفيذ قرار مجلس الأمن باعتباره المسار الأفضل الذي لا بديل عنه لتحقيق الأهداف التي لم تتحقق من خلال اتفاق وقف إطلاق النار.
بدلًا من المواجهة والرفض المطلق للقرار، يمكن تبنّي موقف يمزج بين
الحفاظ على الثوابت والحقوق والتعاون مع الكيانات التي أنشأها القرار. فالقوة
الدولية غالبيتها من دول عربية وإسلامية، فما الذي يضرّ في الترحيب بها في مناطق
سيطرة الفصائل الفلسطينية لتبدأ العمل من هناك وتنتشر، بما يتيح الفرصة أمام لجنة
الحكم الجديدة للبدء في عملية إعادة الإعمار والإغاثة.
توجيه رسائل مطمئنة للقوات التي ستدخل بأنّه لن يكون هناك أيّ صدام،
وأنّ موضوع السلاح سيتمّ حلّه بالحوار بما يخدم مصالح السكان ومستقبل القطاع وعموم
القضيّة الفلسطينية، أمرٌ غاية في الأهمية ينطوي على وعي وإدراك لخطورة المرحلة في
ظلّ موازين القوى المختلّة التي فضحتها وعرّتها الإبادة التي استمرّت عامين.
اتفاق وقف إطلاق النار الهشّ كان نتاج صفقة مريرة مع الإدارة
الأمريكية بوساطة مصرية، قطرية، تركية، نجم عنها بقاء الاحتلال في 54% من أراضي
القطاع، ولا يزال القتل والتدمير وعرقلة دخول المساعدات مستمرًّا. فلا مناص من
استمرار التنسيق مع الوسطاء لتنفيذ قرار مجلس الأمن باعتباره المسار الأفضل الذي
لا بديل عنه لتحقيق الأهداف التي لم تتحقق من خلال اتفاق وقف إطلاق النار.