تشهد الأوساط السياسية والإعلامية في
تركيا منذ أسبوع نقاشا حول احتمال تخلي حزب
الشعب الجمهوري عن رئيس بلدية إسطنبول المُقال، أكرم
إمام أوغلو، بعد أن قدَّم
المدعي العام، الأسبوع الماضي، لائحة اتهام ضده ليطالب بسجنه لأكثر من ألفي عاما.
وكان حزب الشعب الجمهوري أعلن في آذار/ مارس الماضي ترشيح إمام أوغلو للانتخابات
الرئاسية المقبلة، التي لم يتم تحديد موعدها حتى الآن، وبالتالي، يطرح هذا السؤال
نفسه: "لماذا أصبح التخلي عن ترشيح إمام أوغلو لرئاسة الجمهورية محل نقاش حتى
في صفوف حزب الشعب الجمهوري وبين المقربين منه؟".
ترشيح إمام أوغلو للانتخابات الرئاسية
قبل حوالي ثلاث سنوات من موعد إجرائها المتوقع كان هدفه تصوير الدعاوى القضائية
المرفوعة ضده كأنها تستهدف رئيس بلدية إسطنبول السابق لأسباب سياسية، إلا أن هذا
الترشيح المبكر لم يمنع القضاء من وضع إمام أوغلو في السجن ومحاكمته.
وكان قادة حزب
الشعب الجمهوري الموالون لإمام أوغلو يدَّعون بأن القضية سياسية بحتة لا تستند إلى
أدلة قانونية مقنعة، وما زال بعضهم يكرر ذات الأسطوانة المشروخة، ولكن لائحة
الاتهام والأدلة الدامغة التي استندت إليها، بما فيها شهادات المقربين من رئيس
بلدية إسطنبول المُقال واعترافاتهم، جعلت الآخرين يتراجعون عن إبداء الدعم المطلق
لإمام أوغلو، ويطالبون حزب الشعب الجمهوري بالرد على كل تلك التهم بطرق قانونية،
بدلا من تكرار القول بأن القضية سياسية.
هذا التحدي هو في الحقيقة تعبير عن رغبة رئيس حزب الشعب الجمهوري في الترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة بدلا من ترشيح غيره
هناك عدد من قادة
حزب الشعب الجمهوري ونوابه كانوا يعارضون إمام أوغلو، ويرفضون توسع نفوذه في الحزب،
وبعض هؤلاء موالون لرئيس الحزب السابق كمال كليتشدار أوغلو. وبدأ هؤلاء يرفعون
أصواتهم أكثر من ذي قبل، وينتقدون أن يكون الهدف الوحيد لحزب الشعب الجمهوري هو
إنقاذ إمام أوغلو من ورطته، كما يعترفون بأن التهم الموجهة إلى رئيس بلدية إسطنبول
المقال ورؤساء البلديات الآخرين الذين تم اعتقالهم بتهم مشابهة ليست سياسية، بل
هناك جرائم فساد واختلاس وتلقي رشاوى وغيرها؛ تم ارتكابها بشكل منظم في تلك
البلديات. ويقول هؤلاء إنهم سبق أن حذروا من مناورات إمام أوغلو للسيطرة على حزب
الشعب الجمهوري، كما كتب عدد من نواب الحزب رسالة إلى رئيس الحزب أوزغور أوزل، ليدعوه
إلى تطهير صفوف الحزب من الفاسدين.
التطور الأهم
الذي صب البنزين على نار النقاش حول احتمال تخلي حزب الشعب الجمهوري عن إمام أوغلو،
هو ما ذكره أوزل في تصريحات أدلى بها بعد نشر لائحة الاتهام ضد رئيس بلدية إسطنبول
المقال، وخاطب فيها
أردوغان قائلا إنه مستعد لمنافسته عبر صناديق الاقتراع في
الربيع القادم أو بعد شهرين في الشتاء، في حال اعتذر إلى الشعب. ويرى كثير من
المحللين أن هذا التحدي هو في الحقيقة تعبير عن رغبة رئيس حزب الشعب الجمهوري في
الترشح لرئاسة الجمهورية في
الانتخابات القادمة بدلا من ترشيح غيره.
أوزغور أوزل سبق
أن قال إنه مثل مدرب فريق لكرة القدم لديه لاعبان مهاجمان، في إشارة إلى أن حزب
الشعب الجمهوري فيه مرشحان محتملان للانتخابات الرئاسية، وهما إمام أوغلو ورئيس
بلدية أنقرة منصور ياواش. ولكن يرى محللون، منهم الكاتب الشهير عبد القادر سيلفي،
أن أوزل يريد أن يترشح، هو نفسه، لرئاسة الجمهورية، ويطبق استراتيجية مقسمة إلى
مراحل للوصول إلى هدفه، وأن تصريحاته الأخيرة ما هي إلا انتقال من مرحلة إلى أخرى
في ذاك الطريق. وبالتزامن مع تلك التصريحات، ارتفعت أصوات داخل حزب الشعب الجمهوري
تؤكد أن رئيس الحزب هو مرشحه الطبيعي للانتخابات الرئاسية.
حزب الشعب الجمهوري لا يستطيع أن يبقى مستنفرا للدفاع عن إمام أوغلو وشبكته الإجرامية لمدة طويلة؛ لأن هناك ملفات داخلية وخارجية يجب أن يهتم بها ويركز عليها كأكبر أحزاب المعارضة
إمام أوغلو فقد
أهليته للترشح لرئاسة الجمهورية بعد إلغاء شهادته الجامعية التي حصل عليها بطرق
غير قانونية. كما أنه من غير المتوقع أن تنتهي القضية التي يحاكم فيها قبل عام
2028، وهو ما يعني عمليا أنه خارج المعادلة. ويبقى هناك مرشح آخر يأمل في خوض
الانتخابات الرئاسية كمرشح حزب الشعب الجمهوري، وهو منصور ياواش. ولكن أوزل يمكن
أن يبعد ياواش عن طريقه بفضل دعم قادة الحزب وأعضائه المعارضين لترشيح رئيس بلدية
أنقرة، بحجة أنه ينتمي إلى اليمين والأتراك القوميين ولا يمكن أن يحصل على أصوات
الأكراد.
قد يقول قائل إن
أوزغور أوزل يدافع عن إمام أوغلو بشراسة ويوحي ذلك أنه لن يتخلى عن إمام أوغلو بأي
حال، ولكن المتابعين عن حزب الشعب الجمهوري يعرفون أن أوزل مضطر لإطلاق تصريحات
يدافع فيها عن إمام أوغلو إلى مرحلة معينة، لأنه جلس على كرسيه الحالي بدعم قوي من
رئيس بلدية إسطنبول المقال، كما أنه يحتاج إلى دعم الموالين لإمام أوغلو وأصواتهم،
سواء أثناء مساعيه الهادفة إلى السيطرة على حزب الشعب الجمهوري أو في حال ترشح
للانتخابات الرئاسية. ولكن ذلك لا يعني أنه لن يتخلى عنه في المستقبل. وإضافة إلى
ذلك، بإمكان أوزل أن يقدِّم ترشحه لرئاسة الجمهورية كضرورة فرضتها الظروف في ظل
عدم تمكن إمام أوغلو من الترشح لأسباب دستورية وقانونية.
حزب الشعب
الجمهوري لا يستطيع أن يبقى مستنفرا للدفاع عن إمام أوغلو وشبكته الإجرامية لمدة
طويلة؛ لأن هناك ملفات داخلية وخارجية يجب أن يهتم بها ويركز عليها كأكبر أحزاب
المعارضة. وتشير استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبية الحزب بسبب التقارير المنشورة كل
يوم في وسائل الإعلام حول تفاصيل قضايا الفساد التي يحاكم فيها رؤساء بلديات
ينتمون إلى حزب الشعب الجمهوري. ومن المؤكد أن قادة الحزب سيدركون قريبا، إن لم
يدركوا حتى الآن، أنه لا يمكن ربط مصير حزب عريق بحجم حزب الشعب الجمهوري بمصير
شخص واحد كإمام أوغلو.
x.com/ismail_yasa