كتاب عربي 21

الحرب خيرٌ من نصف حرب

منير شفيق
"نتنياهو يتمسّك بسياسة الحرب، ويدفع الجيش لأن يضرب حيثما أمكن"- إكس
"نتنياهو يتمسّك بسياسة الحرب، ويدفع الجيش لأن يضرب حيثما أمكن"- إكس
لقد مضى على اتفاق المرحلة الأولى من مشروع ترامب أربعة عشر يوما، وقطاع غزة يواجه، عمليا، اعتداءات مستمرة من جانب نتنياهو. وقد راح ضحيتها، المئات بين شهداء وجرحى، فضلا عن مواصلة القصف وهدم المنازل، والاستمرار في التضييق على دخول المساعدات، من طعام ودواء والحرمان من وصول الخيام.

وهذا الأمر يعني، قولا واحدا، أن الوضع انتقل إلى حالة نصف حرب. وهو وضع يتحمل ترامب ومساعدوه مسؤوليته، وذلك لعدم الضغط على نتنياهو في الأقل، من جهة، وتجنب الاتهام بالتواطؤ، المتعمّد أيضا، من جهة أخرى.

لقد أخذ هذا الوضع يتكرسّ، فيما الرأي العام العالمي يتوقع أن حرب الإبادة توقفت، وقد رفعت أو خفتت الضغوط الأخرى العربية والإسلامية والدولية. وبهذا يكون مشروع ترامب قد أنقذ نفسه، وأخرج نتنياهو المنبوذ عالميا من مأزق، من دون أن يلتزم، تماما، بوقف إطلاق النار الذي ترجمه الاتفاق على المرحلة الأولى من مشروع ترامب.

أن يُترك نتنياهو يمارس الاعتداءات، واختراق اتفاق وقف إطلاق النار، ويُترك ترامب ومساعدوه يرعون حالة نصف الحرب الإجرامية في قطاع غزة، من دون أن ترمش لهم عين، فهذا ما لا يجب أن يُسمح به

صحيح أن موافقة المفاوض الفلسطيني على الاتفاق كانت ضرورية، وفي مصلحة الشعب الذي يتعرض للإبادة الإجرامية، بكل المقاييس القانونية والإنسانية، والأعراف الدولية في الحروب، ولكن أن يُترك نتنياهو يمارس الاعتداءات، واختراق اتفاق وقف إطلاق النار، ويُترك ترامب ومساعدوه يرعون حالة نصف الحرب الإجرامية في قطاع غزة، من دون أن ترمش لهم عين، فهذا ما لا يجب أن يُسمح به.

فشروط فرض تطبيق الاتفاق الأول والانتقال إلى المرحلة الثانية متوفرة، من ناحية ميزان القوى، كما من ناحية حرص ترامب على عدم فشل مشروعه، إذا ما اندلع القتال من جديد. وهو أمر سيعود لتحريك الوضع العالمي، ليضع ترامب ونتنياهو مرّة أخرى في المأزق، حيث كان ترامب يقف على هاوية الفشل، وكان نتنياهو يقف على شفا السقوط، وذلك في مواجهة ما يشبه ثورة عالمية، راحت تعبّر عنها التظاهرات المتصاعدة في الغرب.

وهنا يجب أن يُلحظ أن ثمة تناقضا بين ترامب ونتنياهو، من حيث سياسة كل منهما في إدارة الصراع. فترامب حريص على نجاح مشروعه العربي- الإسلامي، الذي مدّه حتى شمل إندونيسيا، مما يجعل من فشله، بسبب العودة إلى الحرب في غزة، ضربة قاسية لاستراتيجيته، فيما نتنياهو يتمسّك بسياسة الحرب، ويدفع الجيش لأن يضرب حيثما أمكن.

ولهذا لا يناسب نتنياهو الانتقال إلى العمل السياسي، كما يريد الرئيس الأمريكي. فنتنياهو في مأزق داخلي، حيث يسعى لتعطيل محاكمته بقضايا الفساد، والأهم الخوف من فتح التحقيق في التقصير في مواجهة عملية طوفان الأقصى.

بكلمة، صحيح أن العودة إلى الحرب في غزة، لها محاذير كثيرة، ولكنها ستظل أفضل من حالة نصف حرب التي يفرضها نتنياهو. وقد أخذ يرتفع بها لتوازي الحرب، ولا سيما من خلال استمرار القصف والقضم، والتحكم في إدخال المساعدات وتوزيعها.

من جهة أخرى، فإن ترامب سيتلقى كارثة إذا فشل مشروعه الهادف إلى هيمنة أمريكية، محكمة عربيا وإسلاميا، إذ يعود الوضع في قطاع غزة إلى الحرب.

ينبغي لترامب أن يختار بين فشل مشروعه وعدم الضغط على نتنياهو، أو ضغط يجبره على وقف حالة نصف الحرب.
التعليقات (0)