سياسة عربية

لماذا استدعى النظام المصري "فزاعة الإرهاب" إلى الساحة مجددا؟

إعلام النظام المصري يزعم كشف محاولات شن هجمات بمصر- جيتي
عاد الخطاب الرسمي والإعلامي المصري، إلى الحديث عن "عودة الإرهاب" إلى البلاد وربطه بجماعة الإخوان المسلمين، في استدعاء جديد لـ"فزاعة الإخوان والإرهاب"، التي استخدمها النظام منذ منتصف 2013، لتبرير قمع المعارضة، وتضييق مساحة الحريات، واستمرار اعتقال أكثر من 60 ألف مصري، وفق تقارير حقوقية.

وبحسب قراءة مراقبين، فإنه "خلف هذا الاستدعاء عدة رسائل أراد النظام إرسالها لأكثر من 107 ملايين مصري وإلى جبهات في الداخل ودول بالخارج"، مشيرين إلى أنه "أراد تحقيق بعض المكاسب".

"حادث بولاق"

والأحد، جرى الكشف عن حادث أمني، بمنطقة "بولاق الدكرور" بالقاهرة، قُتل فيه مواطنين اثنين يوم 7 تموز/ يوليو الجاري، فيما وجه لهما بيان أمني اتهام بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، والتمهيد لتنفيذ "مخطط إرهابي".


ودائما؛ تشكك منظمات حقوقية بينها "العفو الدولية"، و"هيومن رايتس ووتش" في رواية الأمن المصري، بشكل متتابع وفي مواقف وأحداث عديدة، ما دفع حقوقيون لوصف الأمر بأنه "توظيف سياسي للحرب على الإرهاب".


"الاختيار 4"

وفي سياق، استدعاء "فزاعة الإخوان والإرهاب"، وفي 3 تموز/ يوليو الجاري، أعلنت الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" التابعة لجهات سيادية والمتحكمة بقطاعات الإعلام والإعلان والصحافة والإنتاج الدرامي والسينمائي، عن إنتاج مسلسل "الاختيار 4" لعرضه (رمضان 2026)، بعد آخر نسخة جرى إنتاجها عام 2022.

وذلك رغم إعلان مخرج الأجزاء الثلاثة الأولى (2020 و2021 و2022) بيتر ميمي، قبل 3 سنوات عدم إنتاج جزء رابع، ما يثير التساؤلات حول سبب التحول عن القرار السابق.

وقبل حادث "بولاق الدكرور"، روجت الأذرع الإعلامية للنظام المصري إلى "مؤامرة كبرى وحرب ضد مصر والرئيس السيسي"، دون أن تشير إلى أو تعلن عن وقائع بذاتها، في أحاديث رددها الإعلاميان مصطفى بكري، وأحمد موسى.

لكن، تكرار الحديث عن الإرهاب يأتي بالرغم من اعتراف رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، في 23 كانون الثاني/ يناير 2023: "القضاء على الإرهاب بنسبة 100 بالمئة".

"رسائل ومكاسب وخسائر"

مراقبون قرأوا في تلك المواقف استدعاء لـ"فزاعة الإخوان والإرهاب"، مجددا، ويرون أن "مكاسب النظام منها تتمثل في: تبرير الحملات الأمنية العنيفة، وتمرير القوانين المشددة، وحظر التظاهر، والتضييق على العمل العام والسياسي، وتعبئة الرأي العام للتضحية بالحريات بدعوى الاستقرار".

وأعربوا عن اعتقادهم أن "تصاعد تلك الحملة مع تصعيد المعتقلين السياسيين في السجون المصرية من اعتراضهم على سوء أوضاعهم بالإضراب عن الطعام ومحاولات الانتحار يقلل التعاطف الشعبي الذي زاد مؤخرا مع المعتقلين ويضعف دعوات الإفراج عنهم".

ويرى المراقبون، كذلك، أن نظام السيسي، قد "يريد مجددا إرسال رسالة لدول أوروبا وأمريكا وعرب الخليج الذين تراجعت علاقاته بهم بشكل كبير مؤخرا، بأنه يسيطر على المشهد، ويواصل قمع جماعة الإخوان المسلمين ويحارب الإرهاب ويمنع وصوله لهم".

كما يعتقد مراقبون أن "في هذا الاستدعاء رسالة للمؤسسات الدولية المقرضة وخاصة صندوق النقد الدولي الذي يطالب بخروج الجيش من الاقتصاد، بألا يتشدد مع حكومة السيسي في منحها القروض وإعطائها تسهيلات جديدة لمواجهة الإرهاب".

على الجانب الآخر، يرى البعض أن "في استدعاء تلك الفزاعة خسارة للاقتصاد المصري، وتأثير على الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة ومنها الأموال الساخنة، وكذلك تصنيف مصر الائتماني".

"مسؤولية النظام"

ويحمل سياسيون ومعارضون النظام مسؤولية ما وصلت إليه أوضاع البلاد، واستمرار ذات السياسات بالملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية والخارجية؛ ومن آن إلى آخر تخرج أصوات مطالبة بتغيير تلك السياسات، واستعادة المسار الديمقراطي، وإنهاء ملف المعتقلين.

بينها ما طرحه الأكاديمي المعارض حسن نافعة، الجمعة الماضية، وأطلق عليه "ميثاق التوافق الوطني لإنقاذ مصر"، بهدف تحقيق "وحدة وطنية لإنقاذ مصر واستعادة الديمقراطية".

وعبر مقال له، طالب آخر رئيس للحزب الوطني المنحل في عهد حسني مبارك، حسام بدراوي، نظام السيسي بعدم تكرار أخطاء من سبقوه، محذرا إياه من أنه مع الانغلاق "لا أحد يضمن ما يأتي بعد الغليان… ولا أحد يربح من الانتحار".

"يصنع عدوا لتبرير البطش"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري الدكتور عمرو عادل، إن "أي نظام استبدادي يصنع عدوا داخليا حتى يمكنه تبرير البطش، ومن الضروري أن تنتبه الشعوب للأمر حتى لا تقع تحت سيف الاستبداد".

"وقد نجح النظام العسكري المصري في صناعة العدو الداخلي، وبدأ ذلك من عقود طويلة ووصل لقمة البطش بالسنوات العشر السابقة"، وفق حديث رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري المعارض، لـ"عربي21".

وأضاف: "ربما كانت تلك الوسيلة تنجح وتستمر في النجاح لو حقق النظام أي نجاح في أي من الملفات الرئيسية الداخلية أو الخارجية؛ ولكنه انهار تماما تحت وطأة غياب الكوادر والفساد البنيوي في منظومة السلطة لمصر".

وأوضح أن "استدعاء العدو الداخلي في الأزمات كان قادرا على تحقيق بعض المكاسب سواء الداخلية بتجميع قطاعات واسعة من الشعب كانت تأمل أن تكون المؤسسة العسكرية قادرة على إدارة الدولة وتحسين وضعها، وأيضا على المستوى الإقليمي بتدمير القوى الاجتماعية بمصر وليس فقط الإخوان لصالح إضعاف الدولة وفرض هيمنتها السياسية والاقتصادية على المنطقة".

"الأداة والتوقيت"

ويعتقد عادل أنه "بعد النجاحات الجزئية بصناعة العدو الداخلي؛ أصبح الآن هناك صعوبة حقيقية أمام النظام، فعلى المستوى الداخلي لم ينجح النظام في أي ملف وانهار الاقتصاد والبناء الاجتماعي، وعلى المستوى الخارجي تحول النظام المصري لعبئ كبير على الإقليم".

وألمح إلى أن "من المهارات السياسية التي أراها منعدمة عند النظام الحالي أن تختار الأداة الصحيحة للصراع في الوقت الصحيح، أما الإصرار على نفس الأداة مع تغيير الظروف فهي حماقة كبرى، كما فعل نظام مبارك باستخدام أداة تزوير الانتخابات في 2010، في توقيت كارثي أطاح به".

"ورقة محروقة"

ويرى السياسي المصري أحمد عبدالعزيز، أن "هذا الاستدعاء كما يفعل التاجر المفلس يبحث في دفاتره القديمة".


وقال لـ"عربي21"، إن "نظام السيسي يكذب، ويعلم أنه يكذب، ويعلم أن المصريين يعلمون أنه يكذب، والأمر لا يعدو عن كونه محاولة بائسة جديدة لإشغال الرأي العام، وحرف الأنظار عن الكوارث والطوام التي سببها نظام الانقلاب لمصر داخليا وخارجيا".

وفي رأيه يرى أنه "لم ولن يحقق النظام أي مكسب من إعادة تدوير ورقة محروقة، كورقة اتهام الإخوان بالإرهاب".

"نظام فقد ظله"
وفي تقديره لمكاسب وخسائر نظام السيسي من استدعاء فزاعة الإخوان والإرهاب، قال الكاتب والمحلل السياسي المصري أحمد حسن بكر، لـ"عربي21": "دول العالم ذات الحكم الرشيد تتجنب كثرة الحديث عن وجود إرهاب يستهدفها، إلا عندما يكون الخطر باتا يهدد وجود الدولة ذاتها".

وأضاف: "في مصر الوضع مختلف، فكلما أوغل النظام في تيهه وفشله، خرج بتمثيليات ساذجة تزعم وجود مخططات إرهابية تقودها جماعة الإخوان، رغم أن الآلاف من قيادات وعناصر الإخوان بالمعتقلات، وخارج البلاد".

ويعتقد بكر، أنها "شماعة لا وجود لها"، موضحا أنه "كلما استدعت الدولة وأبواقها الإعلامية اتهاماتها الساذجة لجماعة الإخوان لتبرير وقوع أي كارثة وفشل، نال ذلك مصداقية النظام لدى الشعب، حتى صار إعلامه بنظر الشعب أراجوز سخيف الطلعة".

"جرائم لا إرهاب"

ويرى الكاتب المصري أن "ما يشهده الشارع الآن إنفلات أخلاقي وقيمي غير مسبوق ولد كما كبيرا من الجرائم"، مبينا أن "هناك فساد بكل المستويات ونواحي الحياة، ولا يتحرك أحد".

وضرب مثلا بعدم الكشف عن المتورطين بـ" سنترال رمسيس، وحرق مديرية أمن الإسماعلية، وواقعة طائرة زامبيا، وتجاهل الأسباب الهندسية لحوادث الطريق الإقليمى والدفع بأحد أعوان النظام ليتهم اللهو الخفى من وجهة نظره (الإخوان ) بسكب الزيت على الطرق والتسبب في الحوادث".

"إلهاء وخلط للأوراق"

وفي تقديره لأسباب إصرار النظام على استدعاء شماعة الإخوان لتبرير كل الكوارث، قال إنه "يعلم أن هذا الاستدعاء يشغل الرأى العام بين أغلبية رافضة للمزاعم، وقلة قليلة من لجان النظام، ما يصرف نظر الشعب عن أزمات".

وأشار بكر إلى أزمات "حرب إبادة وتجويع شعب غزة، حيث تشارك مصر بصمت غير مبرر"، ملمحا أيضا إلى أزمة "بيع أصول مصر، وحالة الفقر غير المسبوق، والبطالة، وانكماش دور مصر السياسي، وأزمة مياه النيل، وخطر إقامة قواعد عسكرية أمريكية على تيران وصنافير، والحرائق شبه اليومية، وفساد تنفيذ الطرق والتسبب بمئات الحوادث".

وخلص للقول: "استدعاء فزاعة الإخوان والإرهاب يطرح من الأسئلة أكثر مما يقدم من إجابات، وينال مصداقية النظام لدى الشعب".