كتب منتخب
كاراساو التاريخ، وتأهل لأول مرة إلى نهائيات مونديال
كأس العالم 2026 التي ستقام في الولايات المتحدة، المكسيك، وكندا.
تأهل كاراساو جاء بعد مشوار تاريخي في التصفيات، إذ أقصى منتخبات عريقة في قارة الكونكاكاف، على غرار جامايكا، وترينداد وتوباغو، ولا شك أنه استفاد من التأهل المسبق للدول الثلاث المستضيفة للمونديال، وهي المنتخبات الأقوى في القارة، ما منح منتخبات صغيرة فرصة منافسة على بطاقات التأهل قد لا تتكرر مستقبلا رغم توسع عدد المشاركين في المونديال من 32 إلى 48.
وباتت كاراساو أصغر دولة على الإطلاق تشارك في المونديال، متخطية ترينداد وتوباغو، وآيسلندا، حيث تبلغ مساحتها 444 كم مربع فقط، وهي مساحة تعادل نحو نصف مساحة مملكة البحرين، أصغر الدول العربية.
ورغم أنها تتبع اتحاد الكونكاكاف (
أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي)، إلا أن كاراساو أقرب جغرافيا إلى أمريكا الجنوبية، حيث تقع على بعد نحو 65 كيلومتراً شمال فنزويلا.
صعود من جزر الأنتيل
جاء تأهل كاراساو بعد مسيرة قوية في تصفيات الكونكاكاف المؤهلة لكأس العالم 2026، حيث تصدرت مجموعتها دون هزيمة، وكان التعادل السلبي الثمين خارج أرضها أمام جامايكا هو النقطة التي ضمنت لها العبور المباشر. هذا الإنجاز يضع الجزيرة الكاريبية الصغيرة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 150 ألف نسمة فقط، في مصاف الدول الكبرى كروياً، متجاوزةً أرقاماً قياسية سابقة لأصغر الدول المتأهلة.
شهدت كرة القدم في كاراساو تحولاً جذرياً منذ عام 2011، عندما انضمت إلى "الفيفا" كدولة مستقلة بعد حل كيان جزر الأنتيل الهولندية" عام 2010.
هذا التحول السياسي، الذي جعل الجزيرة تحت مسمى "دولة تأسيسية" داخل مملكة هولندا، وتتمتع بحكم ذاتي واسع، كان نقطة الانطلاق لبناء هوية كروية مستقلة تعتمد على قوتها الحقيقية: المواهب المهاجرة.
الإرث والتنوع ثقافي
وصلت قبائل الأراواك والكايكيتشي (السكان الأصليون) إلى كوراساو قبل آلاف السنين قادمين من أمريكا الجنوبية. واكتشفها الأوروبيون عام 1499 على يد كشف الإسباني ألونسو دي أوخيدا، وكان أول من أطلق عليها اسم "جزيرة العمالقة" بسبب طول قامة سكانها الأصليين.
استولى الهولنديون عليها عام 1634 من الإسبان، وحولوها إلى مركز تجاري كبير لتجارة الرقيق والملح والسلع، وهي الفترة التي شكّلت التنوع السكاني والثقافي الحالي.
تتميز كاراساو بتنوعها الثقافي واللغوي الفريد، الذي يعكس تاريخها كملتقى للطرق التجارية والاستعمارية، حيث يعيش فيها أكثر من 100 جنسية.
وبرغم أن اللغة الهولندية هي الرسمية في البلاد، إلا أن اللغة الأكثر انتشارا هي "البابيامنتو"، وهي لغة فريدة نشأت في جزر الأنتيل الهولندية. وهي مزيج حيوي من الإسبانية، البرتغالية، الهولندية، الإنجليزية، ولغات أفريقية وأراواكية.
هذه اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي رمز لهوية هجينة تجمع الإفريقية والأوروبية واللاتينية، وتتشرب إيقاعات الكاريبي.
هذا التنوع اللغوي يساهم في خلق هوية ثقافية غنية، حيث تتجلى العمارة الهولندية الملونة في العاصمة ويلمستاد (المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي) جنباً إلى جنب مع إيقاعات الكاريبي الحية.
موهبة الشتات
يكمن سر صعود كاراساو الكروي في علاقتها العضوية مع هولندا، التي منحتها واحدة من أكبر جاليات الشتات نسبةً لعدد السكان في العالم. آلاف الكوراساويين يعيشون في هولندا، ويترعرعون داخل منظومة كروية أوروبية محترفة.
هذا الواقع سمح للجزيرة بتشكيل منتخب من لاعبين وُلدوا في هولندا لأصول كوراساوية، يلعبون في الدوري الهولندي ودوريات أوروبية أخرى، ويملكون خبرة عالية. هذا التزاوج بين المهارات الكاريبية والانضباط الهولندي هو ما منح كاراساو ميزة تنافسية حاسمة.
المدرب الهولندي المخضرم ديك أدفوكات، أحد أكثر الأسماء خبرة في كرة القدم الأوروبية، كان له دور حاسم في نقل الفريق من مرحلة الطموحات إلى مرحلة النتائج. فقد عمل على تنظيم بيئة المنتخب من الصفر، عبر معسكرات مكثفة وجدول تدريبات على الطريقة الأوروبية، واكتشاف اللاعبين مزدوجي الجنسية.
ومن أبرز اللاعبين الذين يمثلون هذا الجيل: الحارس إيلوي روم، والمهاجم يورغن لوكاديا، والشقيقين ليوناردو، وجونينهو باكونا.
البيسبول أولا
واللافت أن تأهل الجزيرة الصغيرة مساحة وسكانا إلى المونديال، جاء رغم أن كرة القدم ليست الرياضة الأولى في البلاد.
تاريخياً، كانت البيسبول هي الرياضة رقم واحد في الجزيرة، وقد صدّرت للعالم عدداً كبيراً من لاعبي دوري البيسبول الأمريكي للمحترفين (MLB).
لكن مع العقد الأخير، بدأت كرة القدم تُزاحمها بقوة، خاصة مع الاستثمار في تطوير الملاعب، وإنشاء مراكز تدريب بسيطة لكنها فعّالة، والاستفادة من الشراكات الهولندية. وترى الحكومة في الرياضة وسيلة لإبراز الهوية الوطنية، خاصة أن المنتخب يقدم صورة حديثة للجزيرة أمام العالم، بعيداً عن الصورة النمطية التي تربط الكاريبي بالسياحة فقط.