مع السباق المحموم لتشكيل
الحكومة
العراقية الجديدة، تتجه الأنظار إلى الساحة السنية التي تعيش واحدة من
أكثر مراحلها تعقيدا منذ سنوات، لأن المشهد لم يعد يختزل في منافسة على رئاسة
البرلمان أو وزارة سيادية كما هو معهود في الدورات السابقة.
لكن صراع الزعامة الحاصل
لدى القيادات السنية، بات يعكس محاولة إعادة تعريف موقع المكوّن داخل معادلة الحكم
التي استقرت منذ عام 2003، إذا يحاول بعضهم استبدال رئاسة البرلمان بمنصب رئيس
الجمهورية، الذي درج العرف السياسي أن يذهب للأكراد.
أربعة أقطاب
ينقسم الواقع السني بين
أربعة أقطاب يتحرك كل منهم وفق رؤية متباينة لطبيعة دور المكوّن في الدولة، حيث
يستثمر محمد الحلبوسي زعيم حزب "تقدم" (35 مقعدا) تفوقه الانتخابي
لتكريس موقعه كزعيم أول للسنة، من خلال مساعيه للحصول على منصب رئيس الجمهورية.
وفي المقابل، يحاول مثنى
السامرائي زعيم تحالف "العزم" (17 مقعدا) الاستفادة من قربه من بعض قادة
الإطار التنسيقي لتقديم نفسه بديلا عن الحلبوسي، لتولي رئاسة البرلمان.
بينما يحاول خميس الخنجر
زعيم تحالف "السيادة" (9 مقاعد)، وثابت العباسي رئيس تحالف
"الحسم" (8 مقاعد) اللعب على ورقة الدعم لأحد الطامحيْن الاثنين
(الحلبوسي، السامرائي) للحصول على المنصب الأول للسنة، رغم أنهما الأقرب إلى
الأخير من الأول.
وفي هذه النقطة، نفت صحيفة
"العالم الجديد" العراقية، إن "وجود اتفاقات بين تحالفي السيادة
والحسم مع حزب تقدم لتشكيل كتلة سنية موحدة، وأن الأخير لا يرغب في تولي أي شخصية
من الأنبار منصبي رئيس البرلمان أو وزير الدفاع، حتى لا يؤثر على نفوذ رئيسه محمد
الحلبوسي في المحافظة".
وأضافت الصحيفة، الأربعاء،
أن "غالبية قوى الإطار التنسيقي، باستثناء قيس الخزعلي لا يرغب بإضعاف
الحلبوسي، فيما يعمل آخرون داخل الإطار على تفكيك حزب تقدم، لكونه أصبح مصدر تهديد
سياسي، ويميلون إلى دعم مثنى السامرائي، ليمثل القيادة السنية باعتباره أكثر
قابلية للسيطرة".
من جهته، قال الأكاديمي
والباحث في الشأن العراقي، وليد عباس، إن "السامرائي يحظى بدعم رئيس الوزراء
الحالي محمد شياع السوداني، والذي يمتلك حاليا أكبر كتلة داخل الإطار التنسيقي
بنحو 46 مقعدا، إضافة إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني، علاقته متوترة مع
الحلبوسي".
وأضاف عباس
لـ"
عربي21" أن "الحلبوسي لن يحصل على منصب رئيس الجمهورية لرفض
الأكراد والشيعة لهذه الفكرة، لكنه قد يحصل حزبه على رئاسة البرلمان، وتأتي شخصية
هو يرشحها لشغله، ولا يعود هو إلى تولي المنصب مجددا".
وتوقع الباحث العراقي أن
"يدفع الحلبوسي، بالنائب محمد نوري الكربولي ليكون رئيسا للبرلمان بدلا منه،
وهو يديره من خلف الكواليس كما يفعل حاليا في إدارة محافظة الأنبار، الذي يتولى
الأخير منصب المحافظ فيها، لكنه ينفذ كل ما يطلبه منه زعيم تقدم".
انشقاقات محتملة
وأشار إلى أن "حزب
تقدم قد يشهد انشقاقات إذا لم يحصل على المنصب الأول للسنة في الدولة العراقية،
لأن الكل يبحث عن مناصب يسعى من خلالها للتواصل مع جمهوره، رغم أن الحلبوسي يسعى
للزعامة السياسية من غير منصب رسمي، مثل باقي القيادات الشيعية والكردية".
وعلى الصعيد ذاته، قال
المحلل السياسي العراقي، غانم العابد، إن "
الصراع الحاصل بين القيادات السنية
هو على المناصب وليس لتحصيل حقوق المكون، وأن كل طرف له طموحات، ومنهم الحلبوسي
الذي يريد منصب رئيس الجمهورية، وهذا جوبه باعتراض كردي- شيعي".
وأكد العابد لـ"
عربي21"
أنه "في ظل هذا الاعتراض أصبحت طموحات الحلبوسي منحصرة في البرلمان، لكن زعيم
تحالف عزم مثنى السامرائي، الذي حقق نحو 18 مقعدا، يعترض على تسلم الأخير للمنصب،
لذلك لا يتفاجأ المتابع إذا لم يصل الأول على رئاسة البرلمان".
وأضاف أن "الحلبوسي
جرى إبعاده من منصبه بقرار من المحكمة الاتحادية، وهي ذاتها التي رفضت ترشيح
القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري لرئاسة الجمهورية بعد
انتخابات عام 2021، بالتالي إذا رجع الأول للمنصب معناه يجب الفيتو عن الثاني أيضا".
وفي 14 تشرين الثاني/
نوفمبر 2023، قررت المحكمة الاتحادية إلغاء عضوية محمد الحلبوسي البرلمان
العراقي الذي كان يرأسه، وذلك بعد إدانته بتهمة تزوير طلب إقالة أحد النواب.
ولفت العابد إلى أن
"الحلبوسي لديه شبه تحالف مع قيس الخزعلي زعيم (عصائب أهل الحق) وعلاقات جيدة
مع رئيس (ائتلاف دولة القانون) نوري المالكي، وهذا يعني أنه قريب نوعا ما من
الإطار التنسيقي".
وفي المقابل، يؤكد العابد
أن "البارزاني لديه علاقات قوية مع القيادات السنية، ولاسيما مع زعيم تحالف
السيادة خميس الخنجر الذي يمتلك نحو 14 مقعدا، وأن ترتيب البيت السني قد يحظى بدعم
الحزب الديمقراطي في أي عملية تصويت داخل البرلمان".
وشدد على أن "تشكيل
الحكومة الحالية تجري حاليا تحت ضغوطات كبيرة، خصوصا أن الفصائل المعاقبة أمريكيا
حققت أكثر من 100 مقعد في البرلمان الجديد، لهذا يحاول الإطار التنسيقي إيجاد
شخصية لا تهدد وجوده".
وبحسب العابد، فإنه
"خلال أيام سيزور إقليم كردستان مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، ثم يذهب
إلى بغداد، فهو تولى إدارة ملف العراق بصورة غير رسمية، وقد يساعد مارك سافايا
مبعوث الرئيس ترامب في مهامه".
وفي ظل هذه الظروف، يرى
العابد أن "موضوع تشكيل الحكومة قد يشهد صراعا قويا جدا، وأن الإطار التنسيقي
يعيش حالة قلق وخوف بسبب الضغوطات الأمريكية، لذلك هناك تسارع من أقطاب الإطار
لتشكيل الحكومة، قبل أن تفرض عليهم الولايات المتحدة شخصية معينة".
وخلال اجتماع عقد الاثنين،
وقعت جميع أطراف الإطار التنسيقي ومنهم السوداني، على اعتبارهم "الكتلة الأكبر"،
معلنين تشكيل لجنتين؛ الأولى تتولى مقابلة المرشحين لمنصب رئيس الوزراء وفق معايير
مهنية ووطنية، والثانية تتكفل بمهمة التفاوض مع القوى السياسية السُنية والكُردية.