ملفات وتقارير

"تكويش أمني" يشعل الانتخابات المصرية.. وأزمة بين القضاء وهيئات سيادية

عدم تسليم نموذج نتيجة الفرز للمرشحين ومندوبيهم تسبب في أزمة كبيرة- عربي21
فجرت توجيهات رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أيام، للهيئة الحكومية المنظمة لانتخابات "مجلس النواب" التي جرت الأسبوع الماضي في 14 محافظة، بمتابعة تجاوزات الجولة الأولى، أزمة بين "نادي القضاة"، في مصر من جانب، وبين و"هيئة النيابة الإدارية"، و"هيئة قضايا الدولة"، الحكوميتين، من جانب آخر.

ودعا السيسي، الاثنين الماضي، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، "الهيئة الوطنية للانتخابات"، لمراجعة وفحص الأحداث والطعون بشفافية تنفيذا لإرادة الناخبين، مطالبا الجهة الحكومية التي يشرف عليها قضاة، بالإلغاء الكامل لهذه المرحلة من الانتخابات، أو إلغائها جزئيا حال تعذر تنفيذ إدارة الناخبين، وأن "يأتي أعضاء مجلس النواب ممثلين فعليين عن الشعب".

حديث السيسي، الذي أكد حدوث تجاوزات بالانتخابات، أثار ضجة واسعة وأحدث اضطرابا بين الهيئات المشرفة على العملية الانتخابية (القضائية والإدارية)، وبين الأحزاب المهيمنة على المشهد الانتخابي: "مستقبل وطن"، و"حماة الوطن"، و"الجبهة الوطنية"، وكشف عن صراعات الاستحواذ بين الأجهزة السيادية في البلاد "الأمن الوطني"، و"المخابرات العامة"، و"المخابرات الحربية"، وفق متحدثون لـ"عربي21".

وفي أول رد فعل لها على توجيه السيسي، قررت "هيئة الانتخابات" إلغاء نتائج 19 دائرة على انتخابات "الفردي"، وإعادتها الشهر المقبل، لكن إعلانها نتائج انتخابات "القائمة" في ذات الدوائر، أثار غضبا واسعا لتغاضيها عن التجاوزات التي أدت لإلغاء انتخابات الفردي.

لتبدأ معركة قانونية في أروقة "القضاء الإداري" و"المحكمة الإدارية العليا"، بتقدم عشرات المرشحين بطعون على النتائج المعلنة ورفضا للتجاوزات والانتهاكات المسجل بعضها بالصوت والصورة داخل اللجان وخارجها.

جدل نادي القضاة والنيابة الإدارية
لم يكن للهيئات القضائية المصرية حضور بالمشهد، حتى أصدر "نادي القضاة" بيانا الثلاثاء الماضي، تبرأ فيه مما يثار من مخالفات وتجاوزات وأكد فيه أن الهيئات القضائية وأعضاء النيابة العامة لم يكن لهم دور في الإشراف على العملية الانتخابية لمجلس "النواب"، وما سبقه من اقتراع مجلس "الشيوخ".

وغلب على مشهد جولات الانتخابات التي جرت لمجلسي "الشيوخ" و"النواب"، الذي تابعته "عربي21"، سيطرة الجهات الأمنية على العملية كاملة، بداية من اختيار واستبعاد المرشحين بـ"القائمة الوطنية" التي تزعمها حزب "مستقبل وطن"، وحتى إدارة العملية التي سادتها مخالفات قانونية، ودفع مبالغ مالية بين 25 وحتى 70 مليون جنيه، (الدولار 47.41 جنيه) وفق مرشحين مستقلين.

رصدت الكاميرات توزيع مبالغ مالية بين 200 وحتى 500 جنيه و1000 جنيه قبل غلق اللجان، على بسطاء الناخبين وخاصة السيدات، إلى جانب توزيع "بونات"، وكراتين مواد غذائية، وسط غضب باقي المرشحين من "سيطرة المال السياسي، وسطوة الأمن الوطني".

وعقب بيان "نادي القضاة"، أصدر "نادي مستشاري النيابة الإدارية"، و"النادي البحري للنيابة الإدارية"، و"هيئة قضايا الدولة"، وهي الجهات المشاركة في الإشراف على الانتخابات 3 بيانات تنتقد بيان "نادي القضاة"، وتتهم "الهيئة العليا للانتخابات"، بعدم الالتزام بتوجيهاتهم.

بيان "النادي البحري للنيابة الإدارية"، كان الأكثر جدلا وانتشارا، حيث وصف بيان "نادي القضاة" بـ"النرجسي"، ودافع عن دور أعضاء النيابة الإدارية في الانتخابات، وأشار لجهدهم، ولفت إلى ما تعرضوا له من معوقات إدارية.

كما فجر ذلك البيان جدلا آخر، بإعلانه رفض "الهيئة العليا للانتخابات"، مقترحات أعضاء النيابة الإدارية لضبط سير الانتخابات، كـ"تسليم نماذج الفرز للمرشحين"، ما فجر أزمة ثانية مع "الهيئة الوطنية للانتخابات".



تساؤلات وانتقادات
وشكل عدم تسليم نموذج نتيجة الفرز للمرشحين ومندوبيهم أزمة كبيرة دفعت مرشحين وأنصارهم للتشكيك بالنتائج، وحدوث أزمات وشجار أمام بعض اللجان.

وبينما تساءل النائب هيثم الحريري: "هل الهيئة أصدرت تعليمات لرؤساء اللجان الفرعية بعدم تسليم وكلاء المرشحين نموذج نتيجة الفرز؟"، انتقد المحامي طارق العوضي، بيان النيابة الادارية، متهما إياهم بالتقصير، ومطالبا إياهم بـ"الاعتذار للشعب"، و"الاعتراف بالتقصير"، و"الخضوع للمساءلة".



وفي حين اعتبر الناشط تامر شرين شوقي، ذلك البيان: "قفز لتيار كامل من مركب هم أعلم الناس يقينا أنها تغرق"، قالت الصحفية إيمان محمد: "بيان النيابة الإدارية يهز الثقة بالعملية الانتخابية"، ويحمل "اتهامات مباشرة لهيئة الانتخابات".



وفي تموز/ يوليو الماضي، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات انتهاء دور أعضاء الجهات القضائية (مستشاري وقضاة القضاء العادي، والقضاء الإداري، والنيابة العامة) -وفقا لدستور 2014- من الإشراف على الانتخابات البرلمانية الثالثة بعهد السيسي، لإنتاج البرلمان الثالث بغرفتيه الشيوخ والنواب حتى 2031، وقصر الإشراف على الانتخابات على 10.600 مستشار يعملون بـ"هيئة النيابة الإدارية"، و"هيئة قضايا الدولة".

استقالات حزب الجبهة
وفي سياق الأزمات المتتالية عقب بيان السيسي، شهد حزب "الجبهة الوطنية" المصري موجة استقالات بإعلان 3 من كبار قياداته، بينهم لواءا شرطة سابقان، الاستقالة من مناصبهم الحزبية والاعتذار عن استكمال انتخابات مجلس النواب 2025.

شملت الاستقالات اللواء كمال الدالي، أمين حزب الجبهة الوطنية بمحافظة الجيزة والمحافظ الأسبق للجيزة، والمستشار محمد سليم، أمين الحزب في أسوان، واللواء صلاح أبو عقيل، أمين الحزب في سوهاج، فيما توالت استقالات قيادات أخرى.



ويُنظر إلى هذه التطورات على أنها مؤشر على اضطرابات داخلية في الحزب، الذي يحتل المرتبة الثالثة بين أحزاب الموالاة للنظام المصري بعد "مستقبل وطن" و"حماة الوطن".

مراقبون أكدوا أن هناك حالة من التخبط والارتباك وفقدان التوازن أدت إلى اتهامات متبادلة بين "نادي القضاة" صاحب الكلمة والدور القوي في أوساط قضاة مصر، وبين "هيئة النيابة الإدارية" بشكل خاص، و"الهيئة العليا للانتخابات"، وفجرت أزمة داخل بعض أحزاب المولاة، والجهات السيادية الثلاثة، ما يكشف عن وضع غير قانوني وأجواء تؤكد بطلان الانتخابات الجارية.

تكويش أحدث خللا
وفي رؤيته، قال الكاتب الصحفي والإعلامي قطب العربي، لـ"عربي21"، إن "الفجاجة التي شهدتها انتخابات مجلس الشيوخ والمرحلة الأولى للنواب، فوق مستوى الهضم والاستيعاب، ليس فقط من عموم الشعب والقوى المعارضة بل من قطاعات مهمة داعمة للنظام".

وأضاف: "كما أن هندسة (جهاز الأمن الوطني) للانتخابات واستئثاره بنصيب الأسد في المقاعد لحزبيه (مستقبل وطن، والشعب الجمهوري) على حساب الجهازين الأمنيين الآخرين وحزبيهما (المخابرات الحربية) وحزبها (حماة الوطن) و(المخابرات العامة) وحزبها (الجبهة الوطنية)؛ أغضبت الحزبين الذين لم يحصلا معا على ثلث المقاعد تقريبا، ما دفع أيضا لاستقالة قيادات بـ(حزب الجبهة)".

يرى العربي، أن "هذا التكويش للأمن الوطني أحدث خللا في التوازن مع الجهازين الآخرين، ودفع السيسي للتدخل لضبط التوازن ومنع تصاعد الأمور بين رجاله، ولم يكن تدخله احتراما للإرادة الشعبية التي تم اغتصابها بكل الانتخابات منذ ٢٠١٣".

معركة القضاة والأجهزة
وأشار إلى أن "تدخل السيسي فجر أزمة بين القضاة، حيث تفاخر نادي القضاة بعدم إشرافه على الانتخابات أي عدم مشاركته في التزوير، وللعلم فهو لم يشرف لأن دستور ٢٠١٤ حدد 10 سنوات للإشراف القضائي انتهت عام ٢٠٢٤، وقد تصدى نادي النيابة الادارية التي أشرفت على الانتخابات لبيان نادي القضاة الذي اعتبروه طعنا فيهم".

ولفت إلى تأكيد "نادي النيابة الإدارية أن المخالفات مثل الامتناع عن تسليم مندوبي المرشحين صورا من محاضر الفرز كان بتوجيهات عليا، ويقصدون إدارة الهيئة الوطنية للانتخابات وهم من قضاة المنصة، كما طعن نادي النيابة الإدارية بنزاهة الأحكام التي يصدرها القضاء".

وذهب العربي، للقول: "فجرت الانتخابات معركة بين جهتين قضائيتين، كما أوجدت أزمة بين الأجهزة الأمنية الرئيسية، وفقدت المصداقية لدى الرأي العام، ولم يعد بد من إلغائها بشكل كامل، والتجهيز لانتخابات جديدة بعد إجراء تعديلات قانونية تتخلص من القائمة المغلقة وتمنح الجميع فرصا متساوية بمنافسة حرة".

تبرير التزوير المحتمل
وحول هدف السيسي، من إثارة هذا الجدل، قال السياسي المصري، و‏المتحدث باسم "الجبهة السلفية"، الدكتور خالد سعيد، إن "السيسي ليس رئيسا شرعيا والانتخابات التي أجريت بعهده غير شرعية، فقد سطا على كرسي الحكم بالانقلاب والدماء، وأهدر أول عملية انتخابية صحيحة ونزيهة مثلت شعب مصر، وإرادة الناخبين فيه، وروح الثورة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، تعجب أن "يتحدث عن الديمقراطية والانتخابات والنزاهة، ويتذكر نزاهة الانتخابات وأصوات المصريين ومصالح الشعب بعد 12 عاما من اغتصابه السلطة"، مؤكدا أن "الجميع يعرف أن أية انتخابات أجريت في مصر لم تكن لها أي موضوعية ونزاهة؛ إلا فترات قصيرة جدا ونسبية مثل انتخابات ٢٠٠٥ البرلمانية".

وخلص للقول: "أنا مستيقن أن السيسي لا ينظر لشعب مصر، ولا هو في اعتباره، ولا يهمه رد فعله، ولا يخاطبه بالأساس، فهو يظن أنه أحكم سيطرته الأمنية والعسكرية على الشعب، وأن روح يناير وجذوة الثورة أخمدت إلى الأبد؛ وإنما يخاطب القوى الخارجية ومانحي القروض، وعلى رأسها أمريكا، والاتحاد الأوروبي الذي طالبه بتقديم مبررا ليدعموا بقاءه في السلطة".

وفي نهاية حديثه يرى سعيد، أن السيسي الذي "اضطر لتعديل الدستور عام 2019، وخرق القانون باستفتاء مزور، يبرر التزوير المحتمل والقادم، ويجمل وجهه بادعاء نزاهة الانتخابات الحالية، ولو كان صادقا فليفتح باب الترشح بنزاهة لأحمد قنصوة وأحمد الطنطاوي وسامي عنان وغيرهم، بدلا من سجنهم".

إلغاء لا ترقيع
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي طالب مراقبون بإلغاء الانتخابات، مؤكدين انتفاء الشرعية عنها، مطالبين بتأجيلها وتعديل القوانين المنظمة وإلغاء نظام "القائمة المغلقة" الذي منح نصف مقاعد "النواب" و"الشيوخ" لـ"القائمة الوطنية" المكونة من 12 حزبا مواليا بالتزكية، وبلا منافسة.

وأكد المحامي بالنقض والدستورية العليا‏ محمد نجيب، أن بيان النادي البحري للنيابة الإدارية الأخير، "يبطل العملية الانتخابية برمتها"، مبينا أنه "إقرار صريح واعتراف رسمي بوجود خلل جسيم وتقصير منهجي".



رئيس تحرير موقع "القصة"، عمرو بدر، طالب بإلغاء الانتخابات كاملة، قائلا: "الترقيع لن يجدي"، مؤكدا أن "كل ما تواتر وتراكم شكك بشرعية الانتخابات"، داعيا لتأجيلها "مدة عام حتى تغيير القوانين والتخلص من نظام القائمة المطلقة".