كتب الصحفي ديفيد روزنبرغ٬ في صحيفة “
هآرتس”
الإسرائيلية أن أفضل سبيل لفهم مكانة الاحتلال الإسرائيلي في الشرق الأوسط الجديد الذي يعيده رسم الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، هو زيارة مستوطنة رامات ترامب في مرتفعات الجولان، التي شيدت على أنقاض مستوطنة سابقة وسميت باسم الرئيس عام 2019، تكريما له على اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
وأضاف روزنبرغ أن المستوطنة، رغم كونها صغيرة وتضم نحو 100 نسمة فقط، مع منازل ذات أسقف حمراء وكرفانات غير مكتملة البناء، تظهر تفاؤل السكان بمستقبلها. ومع ذلك، أشار أحد السكان إلى أنه يشك في زيارة ترامب شخصيا للمستوطنة، قائلا: "يبدو أن ترامب من النوع الذي يرغب في أشياء مختلفة. البساطة لا تهمه، لذا أشك في أنهم سيأتون به إلى هنا يوما ما".
وأوضح الصحفي أن رامات ترامب لا تضم ملعبا للغولف، ولا قاعة رقص، ولا ناطحة سحاب، وأن القيمة الإجمالية لممتلكاتها تقدر ببضعة ملايين من الدولارات فقط، فيما اللافتة عند بوابة المدخل هي الزخرفة الذهبية الوحيدة التي تثير اهتمام ترامب. وهذا يعكس طبيعة تعامل الرئيس الأمريكي مع المنطقة، حيث يسيطر المال على الكثير من الأمور، وهو ما ينطبق بشكل خاص على الشرق الأوسط، حيث يمتلك حكام
الخليج وفرة مالية كبيرة تستخدم لتأمين الولاءات والصفقات.
وأشار روزنبرغ إلى أن قادة الولايات المتحدة السابقين كانوا يقدرون القوة المالية لدول الخليج وأهمية النفط والغاز، لكن إدارة ترامب اتخذت موقفا مختلفا، حيث أصبح الخليج محور كل الاهتمامات، بينما تم إهمال الحلفاء التقليديين مثل مصر والأردن.
وفي السياق ذاته، أكد روزنبرغ أن إسرائيل، رغم ثرائها النسبي واقتصادها المتقدم الذي بلغ الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي نحو 540 مليار دولار، ما يعادل تقريبا الناتج المحلي للإمارات وضِعف الناتج المحلي لقطر، إلا أنها تبقى محدودة مقارنة بالصناديق السيادية الخليجية، مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي (حوالي 950 مليار دولار)، والهيئة القطرية للاستثمار (560 مليار دولار)، وصناديق الإمارات (2.5 تريليون دولار).
وأشار إلى أن الاحتلال يعتمد على السوق الحرة وسيادة القانون والشفافية، ما يقيد قدرتها على تنفيذ الصفقات الكبرى بنفس سرعة وحجم دول الخليج.
وأضاف روزنبرغ أن هذه الديناميكية المالية تؤثر مباشرة على العلاقة بين إسرائيل وترامب، إذ تعتمد الأخيرة على المساعدات الأمريكية العسكرية والاقتصادية، إلا أن ترامب يرى في الصفقات مع الخليج وسيلة لتعظيم مكاسب الولايات المتحدة وعائلته، مثل الطائرة الفاخرة التي قدمها القطريون واستخدامهم العملات الرقمية المرتبطة بعائلة ترامب.
كما تشمل الفوائد الاقتصادية للولايات المتحدة، مثل صفقة الأسلحة الكبرى مع السعودية بقيمة 142 مليار دولار، واستثمار المملكة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، والتي ارتفعت إلى تريليون دولار مع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، وبيع مقاتلات "إف35".
وأوضح روزنبرغ أن تل أبيب٬ رغم قوة اقتصادها وتفوقها في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لا تستطيع منافسة صناديق الثروة السيادية الخليجية من حيث القدرة على تنفيذ الصفقات الكبرى بسرعة ومرونة سياسية.
وقال إن الاحتلال يسعى إلى اتفاقية مساعدات أمريكية طويلة الأجل لضمان استمرار الدعم العسكري والاقتصادي في وقت تقل فيه قاعدة أصدقائها السياسيين في واشنطن، مع مراعاة استراتيجية ترامب التي تمزج بين السياسة والمكاسب المادية والأنا الشخصي.
واختتم روزنبرغ تقريره بالقول إن استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط تقوم على ثلاثة محاور متداخلة: المصالح الأمريكية، والربح المادي، والأنا الشخصي، ما يجعل نجاحاته في المنطقة مزيجا من الإنجازات الوطنية والتطلعات الشخصية، وهو ما يعكس بشكل واضح طبيعة التعامل مع إسرائيل ودول الخليج على حد سواء.