عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في
بريطانيا أول أمس الثلاثاء 27 مايو/أيار 2025، بعنوان: "هل يكفي تهديد
الاحتلال بالعقوبات؟ الدور الأوروبي في تمكين الإبادة الجماعية في
غزة"، وذلك
في ضوء القرارات الأخيرة التي اتخذتها المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي مؤخرًا
بتعليق بعض الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل، وسط استمرار الإبادة الجماعية
والفظائع المرتكبة ضد المدنيين في قطاع غزة. وقد أثارت هذه الخطوات المتأخرة
نقاشًا ملحًا حول ما إذا كانت هذه التدابير كافية، وما هو التأثير الحقيقي الذي
يمكن أن تحققه، ولماذا تواصل
أوروبا تطبيق معايير مزدوجة - فرض عقوبات سريعة على
روسيا مع حماية إسرائيل من عواقب وخيمة.
ضمت الندوة مجموعة بارزة من المتحدثين، هم:
سيد إبراهيم، عضو البرلمان الماليزي ورئيس لجنة
فلسطين؛ وتيش سيدي، النائبة
بالبرلمان الإسباني؛ ومالك بن عاشور، عضو البرلمان البلجيكي؛ وكريس سيدوتي، عضو
لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن فلسطين وإسرائيل؛ وأليسيا كوتسوليريس،
مديرة الاتصالات في شركاء من أجل فلسطين؛ وجيم موران، العضو السابق في الكونغرس
الأمريكي، وقد ناقش المتحدثون الأبعاد القانونية والسياسية والإنسانية للتواطؤ
الغربي في الإبادة الجماعية في غزة، مشددين على ضرورة المساءلة الفورية وتطبيق
الالتزامات الدولية الملزمة.
في مداخلته، أدان النائب البلجيكي مالك بن
عاشور ما وصفه بالحرب "الوحشية واللاإنسانية والإبادة الجماعية" التي
شنتها الولايات المتحدة وإسرائيل على المدنيين في غزة، منددًا بالتواطؤ
"المخزي والمشين والإجرامي" لبعض الحكومات الأوروبية، سواءً في صمتها أو
في تورطها المباشر. وأشار بن عاشور إلى أن الجميع يعرف جيدًا حجم ومدى فظاعة
الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في غزة، لذلك ركز في مداخلته على أثر ذلك على
الداخل الأوروبي، حيث قال إن الخطاب العام شهد تحولًا ملحوظًا، مشيرًا إلى أن
الخطابات الرسمية والعامة في أوروبا، وخاصة في فرنسا، بدأت تستخدم مصطلحات دقيقة -
مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ومعسكرات الاعتقال - والتي أصبحت الآن أكثر
شيوعًا وأقل إثارة للجدل. وأضاف أن هذا التحول يعود إلى حد كبير إلى العمل الدؤوب
للمجتمع المدني والتعبئة الشعبية على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي بدأت تكسر
هيمنة الرواية الإسرائيلية التي تسعى إلى طمس الجرائم وإنكارها.
أكد بن عاشور على ضرورة وجود دور أوروبي استراتيجي في الشرق الأوسط، وحث الدول الأوروبية على بذل المزيد من الجهود للانخراط دبلوماسياً واقتصادياً، وحتى في التنسيق الدفاعي، مع الدول العربية من أجل ممارسة ضغط موحد على إسرائيل وبناء رؤية مشتركة للسلام الدائم. واختتم كلمته بتأكيد قاطع على أن ما يحدث في غزة يؤثر على مستقبل العالم أجمع، إذ يُختبر مدى تطبيق سيادة القانون على الجميع دون تمييز ديني أو عرقي. وقال: "لهذا السبب، قضية فلسطين ليست كغيرها من القضايا، ولهذا السبب لا يمكننا الاستسلام، ولن نستسلم".
وأكد بن عاشور أنه على الرغم من أهمية هذا
التحول في الخطاب، إلا أن الكلمات وحدها لا تكفي، مشددًا على ضرورة اتخاذ إجراءات
حكومية ملموسة. وحدد أولويتين عاجلتين: أولاً، إيصال المساعدات الإنسانية دون قيد
أو شرط ودون تدخل إسرائيلي، مع التأكيد على استقلالية العمل الإنساني؛ وثانياً،
ضرورة وقف إطلاق نار دائم ونهائي. وإلى جانب هذه الإجراءات الطارئة، حدد أربع
أولويات سياسية يعتقد أن على أوروبا تبنيها، وتشمل هذه الأولويات: (1) تعليق
اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، (2) وقف كامل لتسليم الأسلحة إلى
إسرائيل، بما في ذلك معالجة قضية الأسلحة التي تمر عبر الأراضي البلجيكية على
الرغم من الحظر المفروض على الصادرات المباشرة منذ 15 عامًا، (3) الدعم الكامل
للآليات القانونية الدولية، وخاصة محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية،
بما في ذلك تنفيذ أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت، و(4) الإدانة الشديدة
للتهديدات الأمريكية ضد موظفي المحكمة الجنائية الدولية، والتي وصفها بأنها مخزية.
وأكد بن عاشور على ضرورة وجود دور أوروبي
استراتيجي في الشرق الأوسط، وحث الدول الأوروبية على بذل المزيد من الجهود
للانخراط دبلوماسياً واقتصادياً، وحتى في التنسيق الدفاعي، مع الدول العربية من
أجل ممارسة ضغط موحد على إسرائيل وبناء رؤية مشتركة للسلام الدائم. واختتم كلمته
بتأكيد قاطع على أن ما يحدث في غزة يؤثر على مستقبل العالم أجمع، إذ يُختبر مدى
تطبيق سيادة القانون على الجميع دون تمييز ديني أو عرقي. وقال: "لهذا السبب،
قضية فلسطين ليست كغيرها من القضايا، ولهذا السبب لا يمكننا الاستسلام، ولن نستسلم".
بدأت النائبة الأسبانية تيش سيدي مساهمتها
بتأمل المناخ السياسي في إسبانيا عقب أحداث السابع من أكتوبر، ووصفت كيف وُصف
أعضاء البرلمان والمدافعون عن حقوق الإنسان الذين عبّروا عن تضامنهم مع
الفلسطينيين فورًا بـ"الإرهابيين"، موضحة أن هذا التصنيف كان جزءًا من
محاولة أوسع لطمس حق الشعب الفلسطيني في المقاومة وإسكات عقود من الاحتلال من
الخطاب العام. واستذكرت كيف اتخذت هي وزميلها النائب مانو بينيدا موقفًا واضحًا
منذ البداية، مُصرّين على أنه لا يمكن فهم أحداث غزة بمعزل عن غيرها، بل يجب النظر
إليها في سياق أكثر من 70 عامًا من الاحتلال العسكري. ورحبت سيدي بتحول الرواية في
إسبانيا اليوم، حيث أصبح المزيد من الناس يصفون ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية
- "إبادة هذا القرن".
مع ذلك، أشارت إلى أن
موقف الحكومة
الإسبانية المبكر الداعم لفلسطين لم يكن كافيًا، فعلى الرغم من سمعتها بين الدول
العربية بكونها أكثر تعاطفًا مع القضية الفلسطينية، إلا أن إسبانيا حافظت على
علاقات اقتصادية وعسكرية مع إسرائيل، بما في ذلك اتفاقيات الأسلحة والعمليات
البحرية. أوضحت سيدي أن حزبها دعا إلى حظر توريد الأسلحة منذ بداية
الحرب، لكنه لم
يُطبّق. ردًا على ذلك، أقرّ البرلمان الأسبوع الماضي قانونًا جديدًا يفرض حظرًا
على إسرائيل، إلا أنه لا يزال ينتظر التنفيذ. وأكدت على ضرورة تطبيق هذا الحظر
الآن، وطالبت إسبانيا بمعاملة إسرائيل بنفس الطريقة التي عاملت بها روسيا، موضحةً
أن دعم فلسطين ليس شعارًا، بل يجب أن يُترجم إلى أفعال. بالإضافة إلى الحظر، لفتت
سيدي أن حزبها يُعدّ قانونًا جديدًا لتعليق جميع الاتفاقيات الاقتصادية مع
إسرائيل، ويدعو إلى مقاطعة شاملة، بحجة أن الاحتلال لا يحركه الدين أو القومية، بل
الأرباح الاقتصادية.
وأكدت سيدي على أن إسبانيا، على الرغم من
كونها فريدة في الاتحاد الأوروبي -من حيث موقفها من الإبادة الجماعية-، يجب أن
تبذل المزيد من الجهد في استخدام نفوذها. وأشادت بالمجتمع المدني الإسباني، وخاصة
الحركات الطلابية في الجامعات، لمحافظته على دعم قوي للقضية الفلسطينية. وداخل
الحكومة الائتلافية، دأب وزراء من حزبها على دعم فلسطين ودعوا إلى اتخاذ إجراءات
أكثر جدية.
وأضافت سيدي من أن العالم يراقب فشل مؤسسات
كالأمم المتحدة في وقف الإبادة الجماعية، محذرة أنه إذا عجزت الأمم المتحدة عن
حماية غزة، فلن يكون أحد في مأمن من تهديدات مماثلة. ودعت إلى دعم أقوى للمنظمات
الدولية ومقاومة صعود السياسات الاستبدادية التي تسعى إلى نزع الشرعية عن آليات
حقوق الإنسان. كما سلّطت سيدي الضوء على الدور الحيوي لوسائل التواصل الاجتماعي
والصحافة المستقلة في توثيق الجرائم، موجهة تحية خاصة للمراسلين الفلسطينيين
وشبكات مثل الجزيرة على كشفهم الفظائع للعالم، رغم الرقابة المفروضة على شركات
التكنولوجيا التي اتهمتها بالتواطؤ مع أفعال إسرائيل، واختتمت حديثها بالقول إن
دعم فلسطين ليس بروباجندا، بل هو موقفٌ من التاريخ.
افتتح النائب الماليزي سيد إبراهيم كلمته
بالتعبير عن صعوبة التعبير عن الكارثة المستمرة في غزة، قائلاً إنه "الكلمات
تعجز عن وصف هذه المعاناة الهائلة". وأضاف أن الحرب وحشية لأقصى مدى، لا سيما
مع مقتل أكثر من 16 ألف طفل خلال ما يقرب من 600 يوم منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول،
مدينًا استجابة المجتمع الدولي - وخاصةً الدول الأوروبية – لما يحدث. وأشار إلى
أدلة واضحة على التواطؤ الأوروبي في الحرب، مستشهداً بتراخيص تصدير بقيمة تقارب
6.3 مليار جنيه إسترليني منحها الاتحاد الأوروبي لإسرائيل بين عامي 2014 و2022، وأشار
إلى أن ألمانيا وحدها استحوذت على 30% من واردات إسرائيل من الأسلحة بين عامي 2019
و2023.
موقف الحكومة الإسبانية المبكر الداعم لفلسطين لم يكن كافيًا، فعلى الرغم من سمعتها بين الدول العربية بكونها أكثر تعاطفًا مع القضية الفلسطينية، إلا أن إسبانيا حافظت على علاقات اقتصادية وعسكرية مع إسرائيل، بما في ذلك اتفاقيات الأسلحة والعمليات البحرية.
وبينما رحّب بقرارات دول مثل إسبانيا
وبلجيكا وهولندا بوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل، انتقد غياب نهج أوروبي موحد، ودعا
إلى حشد جهود منسقة بين المشرعين والجهات القانونية لإقرار قوانين ملزمة لوقف
صفقات الأسلحة وتطبيق حظرها. انتقد السيد إبراهيم بشدة نفاق المعايير الأوروبية
المزدوجة، مسلطًا الضوء على العقوبات السريعة المفروضة على روسيا بسبب أوكرانيا،
في حين لم تواجه إسرائيل أي قيود تجارية أو عقوبات مالية مماثلة على أفعالها في
غزة.
ودعا المجتمع الدولي ـ وخاصة الدول الغربية ـ إلى اتخاذ خطوات جادة وحاسمة لوقف الحرب وممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل، التي
وصفها بأنها تعتبر نفسها جزءًا من العالم الغربي، وبالتالي لا تستجيب إلا للضغوط
الغربية. وحدد مجموعة واضحة من المطالب: الوقف الفوري للهجوم العسكري الإسرائيلي،
واستخدام مصطلحات دقيقة مثل الإبادة الجماعية والفصل العنصري والسياسات الإجرامية،
وإنهاء جميع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، والسماح الكامل بوصول المساعدات
الإنسانية إلى غزة. ورفض المزاعم الإسرائيلية بأن حماس تمنع المساعدات، واصفًا هذه
المبررات بأنها "سخيفة"، وأكد مجددًا على ضرورة ممارسة الدول الغربية
ضغطًا ذا مغزى لضمان إيصال المساعدات.
واستمرارًا لدعوته إلى العمل، طالب السيد
إبراهيم بفرض حظر شامل على توريد الأسلحة إلى إسرائيل لمنع سقوط المزيد من الضحايا
المدنيين. كما شدد على ضرورة المساءلة الكاملة عن الانتهاكات والجرائم التي
يرتكبها القادة الإسرائيليين، والتي تشكل بعضها جرائم حرب صريحة وفقًا لتعريفات
القانون الدولي، مشيرًا إلى أنه إذا كان الغرب يؤمن بالديمقراطية والقانون الدولي،
فعليه أن يثبت ذلك. وحث على التطبيق العادل للمعايير القانونية دون تحيز أو معايير
مزدوجة، ودعا إلى حشد المشرعين في جميع أنحاء أوروبا، مؤكدًا أن البرلمانيين لا يزالون
مؤثرين في تشكيل الرأي العام والنتائج السياسية. وشدد على أهمية نقل الأحداث وفق
سياقها التاريخي، مذكرًا الحضور بأن الإبادة الجماعية لم تبدأ في 7 أكتوبر، بل مع
نكبة 1947-1948، المتجذرة في أيديولوجية صهيونية مستمرة. واختتم كلمته بدعوة
الحكومات الغربية إلى دعم الاعتراف الكامل بفلسطين كدولة مستقلة - ليس كخطاب، بل
كعمل ضروري وعاجل من أجل العدالة والسلام والإنسانية.
عضو الكونغرس السابق جيم موران افتتح كلمته
بتذكير العالم بالدرس الأخلاقي الذي كان من المفترض أن يتعلمه بعد
"الهولوكوست"، وهو "ألا تتكرر هذه الكارثة مرة أخرى أبدًا".
وأشار إلى أنه على مدى الثمانين عامًا الماضية، دأبت الثقافة والسياسة والإعلام
العالمي على تكرار هذه الرسالة من خلال الأفلام والكتب والخطاب العام. ومع ذلك،
صرّح موران بأن الإجراءات الحالية للحكومة الصهيونية اليمينية في إسرائيل تحمل
أوجه تشابه مقلقة مع الحزب الاشتراكي الوطني الألماني في أربعينيات القرن الماضي.
ووصف هذا النظام بأنه نظام فاشي بشكل صريح، عازم على القضاء على شعب بأكمله، ليس
بسبب التهديد العسكري، بل للاستيلاء على الأرض وتوسيع سلطته. وأعرب موران عن
استيائه الشديد من أنه بعد ثمانية عقود من التذكير، يقف العالم الآن متفرجًا بينما
تتكرر نفس الفظائع – لكن هذه المرة ضد الشعب الفلسطيني. وأكد أن هذه ليست مجرد
قضية سياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل هي انعكاس للطبيعة البشرية - حيث
يسود الشر عندما يغض الصالحون الطرف. ألقى موران باللوم مباشرةً على الولايات
المتحدة، قائلاً إنها مكّنت من ارتكاب الإبادة الجماعية بتوفيرها الأسلحة والمعدات
العسكرية والغطاء السياسي لإسرائيل، التي استخدمت هذه الموارد لقتل المدنيين –
ومعظمهم من النساء والأطفال.
وتابع موران بالإشارة إلى تواطؤ أوروبا، ليس
فقط في صمتها، بل في موقفها الخاضع للهيمنة العالمية الأمريكية. وأكد أن أوروبا،
على مدى عقود، خضعت للقوة السياسية والاقتصادية الأمريكية وعاملت نفسها
كـ"طفل غير شرعي" للولايات المتحدة. وأصر على أن هذا يجب أن يتغير،
مؤكدًا أن أوروبا لديها القدرة والالتزام الأخلاقي لرسم مسارها الخاص. ورحب بتشكيل
الاتحاد الأوروبي باعتباره خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه دعا الحكومات الأوروبية
إلى استخدام قوتها الجماعية بشكل أكثر حسمًا، خاصةً عندما تفشل الولايات المتحدة
في التحرك. وقال إن العقوبات بداية جيدة، لكنها غير كافية، مؤكدًا أن المعايير
التي طبقتها أوروبا على حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا - في إطار القانون الدولي
والمسؤولية الأخلاقية - يجب أن تنطبق أيضًا على حرب الحكومة الإسرائيلية على
الفلسطينيين. وأشار إلى مقال نُشر مؤخرًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود
أولمرت، الذي وصف الحرب الحالية بأنها "حرب بلا هدف"، وهو ما أشار موران
أنه يتفق معه جزئيًا، واصفًا إياها بأنها حرب ذات دوافع سياسية من نتنياهو وبن
غفير وسموتريتش وحلفائهم - تهدف إلى القضاء على الفلسطينيين وتوسيع نفوذ إسرائيل تحت
ستار الأمن القومي الزائف.
وفي ختام كلمته، رفض موران أي تأطير لمعارضة
الحرب على غزة بأنها معادية للسامية، وأوضح أن أحد التكتيكات الرئيسية لحلفاء
الحكومة الإسرائيلية والجماعات المؤيدة للصهيونية في الولايات المتحدة هو وصف أي
انتقاد لإسرائيل بأنه معادٍ للسامية، وهو تكتيك وصفه بأنه "هراء". وأشار
إلى حرم الجامعات الأمريكية النخبوية، حيث غالبًا ما قاد الاحتجاجات ضد الإبادة
الجماعية طلاب وأساتذة يهود، وليس فلسطينيون - ومع ذلك، فإن هذه الحقيقة تحجبها
بيئة إعلامية تقمع هذه الأصوات عمدًا.
طالب السيد إبراهيم بفرض حظر شامل على توريد الأسلحة إلى إسرائيل لمنع سقوط المزيد من الضحايا المدنيين. كما شدد على ضرورة المساءلة الكاملة عن الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها القادة الإسرائيليين، والتي تشكل بعضها جرائم حرب صريحة وفقًا لتعريفات القانون الدولي..
وأشاد موران بمنظمات مثل صوت اليهود من أجل
السلام، وجي ستريت، وشخصيات مثل بيتر بينارت، قائلاً إنهم يتحملون مسؤولية أخلاقية
خاصة للتعبير عن آرائهم، بالنظر إلى التعاليم الأخلاقية لليهودية نفسها. وفي إشارة
إلى المبدأ اليهودي "تيكّون عولام" - معناه لإصلاح العالم - أكد أنه لا
يجب التلاعب بالهوية اليهودية لتبرير الفصل العنصري والاحتلال والقتل الجماعي. كما
تناول المفارقة التاريخية المتمثلة في أن العديد من قادة اليمين المتطرف في
إسرائيل ليسوا من أصل سامي، بل من أصل أوروبي شرقي أو خزر. وخلص إلى أن الجهل
يُسلّح من قبل أولئك الذين يسعون إلى قمع الحقيقة، وحذر من أنه ما لم يتحرك
العالم، فإنه لا يُمكّن الإبادة الجماعية فحسب، بل يخون المثل العليا للحضارة
الغربية نفسها.
المسؤول الأممي كريس سيدوتي بدأ مداخلته
بتناول السؤال الجوهري للندوة - ما إذا كان التهديد بفرض عقوبات على إسرائيل
كافيًا – مجيبًا على السؤال من منظور مختلف متجذر في القانون الدولي. لفت الانتباه
إلى حكم محكمة العدل الدولية الصادر في يوليو/تموز 2023، والذي بحث بدقة في شرعية
الاحتلال الإسرائيلي وأنشطته الاستيطانية وسياساته الأوسع تجاه الشعب الفلسطيني.
وخلصت المحكمة إلى أن الاحتلال والمستوطنات غير قانونيين بموجب القانون الدولي،
وأن إسرائيل ملزمة قانونًا بإنهائهما. والأهم من ذلك، أكد سيدوتي أن قرار المحكمة
أنشأ أيضًا مسؤوليات قانونية لجميع الدول الأخرى، وليس فقط إسرائيل. ووفقًا لمحكمة
العدل الدولية، نظرًا لتورط إسرائيل في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، فإن جميع
الدول الأخرى ملزمة بعدم تقديم أي مساعدة أو دعم بأي شكل من الأشكال في استمرار
هذه الأعمال غير القانونية.
وأكد سيدوتي أن تداعيات قرار محكمة العدل
الدولية بعيدة المدى، حيث طُلب من الدول إجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها العسكرية
والمالية والاقتصادية والسياسية، بل وحتى الثقافية، مع دولة إسرائيل - وليس فقط مع
الأراضي المحتلة - لتحديد ما إذا كان أيٌّ من هذه الروابط يُعَدّ مساعدةً أو
تحريضًا على استمرار أعمال إسرائيل غير القانونية. وأشار إلى أن هذا الواجب ليس
خيارًا سياسيًا، بل التزامًا قانونيًا مُلزمًا. ورغم خطورة هذا المطلب، صرّح
سيدوتي بأن لجنة التحقيق لم تكن على علم بأي دولة أو مجموعة دول أجرت مثل هذه
المراجعة، ناهيك عن نشر نتائجها. وطرح سلسلة من الأسئلة المباشرة والملحة: أين
المراجعات؟ أين التدقيق في العلاقات الاقتصادية مع الشركات الإسرائيلية التي تُنتج
تقنيات المراقبة المُستخدمة في الاحتلال؟ أين تقييم تدفقات التجارة والاستثمار
المرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية؟ وأوضح أن هذه الالتزامات، المُستمدة من حكم
محكمة العدل الدولية، لا تزال غير مُلباة في جميع أنحاء أوروبا والدول الغربية
الأخرى.
وأدان سيدوتي نفاق الدول التي تُعلن بانتظام
التزامها بسيادة القانون الدولي، لكنها تفشل في الالتزام بتوجيهات محكمة العدل
الدولية بشأن إسرائيل. وأشار إلى أن هذا الفشل يكتسب أهمية أكبر اليوم، في ضوء
النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق منذ يونيو/حزيران 2023، والتي خلصت إلى أن
الإجراءات الإسرائيلية في غزة تُشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وأكد مجددًا
أن الأمر لا يقتصر على الضغط على إسرائيل سياسيًا فحسب، بل يتعلق أيضًا بوفاء
الدول بمسؤولياتها القانونية. ويجب النظر في الدعم، سواء كان معنويًا أو سياسيًا
أو ماليًا أو تكنولوجيًا، لما يحدث في غزة كجزء من هذا الواجب القانوني. واختتم
كلمته بدعوة حازمة إلى اتخاذ إجراءات عملية: يجب أن تبدأ جميع الدول فورًا مراجعة
عاجلة وعلنية وشاملة لكل علاقاتها مع إسرائيل، ويجب إنهاء أي جانب يُثبت أنه يُسهم
في أعمال غير قانونية. وقال: "الأمر بهذه البساطة. إنها مسألة قانونية".
بدأت أليسيا كوتسوليريس كلمتها بتناول
السؤال المحوري للندوة - ما إذا كان التهديد بفرض عقوبات كافيًا - وأكدت بشكل قاطع
أن السؤال الذي يجب أن يُطرح في هذه المرحلة، هو ما هي الإجراءات العملية التي يجب
أن تتخذها الدول ضد إسرائيل، مشيرة إلى الحاجة الماسة لتحرك ملموس خاصة من
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لمحاسبة الحكومة الإسرائيلية على الإبادة
الجماعية المرتكبة ضد المدنيين في غزة.
وأدانت كوتسوليريس قادة العالم والحكومات
الشريكة لفشلهم في التدخل، رغم قدرتهم على وقف الإبادة، وأشارت إلى أنه بدلًا من
الضغط، لا تزال الحكومة الإسرائيلية تتلقى الدعم الذي يُمكّن من استمرار الإبادة
الجماعية. وذكّرت الحضور بتقرير الأمم المتحدة لعام 2012 الذي حذّر من أن غزة
ستصبح غير صالحة للسكن بحلول عام 2020 إذا لم تتحسن الأوضاع. وقالت إن الأوضاع لم
تتحسن فحسب، بل تدهورت بشكل كبير، حيث يُستخدم التجويع الآن كسلاح حرب. وأضافت أن
الصور القادمة من غزة تُشبه صور معسكرات الاعتقال خلال الحرب العالمية الثانية.
سلّطت كوتسوليريس الضوء على دور الولايات
المتحدة، مشيرةً إلى أنها خصصت بالفعل 3.8 مليار دولار سنويًا، معظمها مساعدات
عسكرية، لإسرائيل قبل السابع من أكتوبر. والآن، في خضمّ الإبادة الجماعية
المتفشية، أكّدت أن الولايات المتحدة لم تكتفِ بخفض تلك المساعدات، بل زادتها.
وانتقدت استخدام أسلحة أمريكية الصنع في غارات جوية استهدفت المدنيين والمستشفيات
ومخيمات اللاجئين والمدارس، متسائلةً كيف لدولة تمتلك هذه التكنولوجيا العسكرية
المتقدمة أن تُميّز بين الأهداف العسكرية المشروعة والبنية التحتية المدنية.
وشدّدت على هول مشاهدة حكومتها، كمواطنة أمريكية، تُزوّد الأسلحة نفسها التي
تُستخدم لقصف أناس عُزّل.
وأشارت كوتسوليريس إلى أن تدفق هذه
المساعدات ينتهك بشكل مباشر القوانين الأمريكية السارية ـ وتحديدًا قانون
المساعدات الخارجية لعام 1961 وقوانين ليهي ـ التي تحظر تقديم المساعدة العسكرية
لقوات الأمن الأجنبية التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان دون عقاب. وقالت إن هذا
بالضبط ما يشهده العالم. كررت حجتها المركزية: أن وقت التهديدات قد انتهى، وأنه
يجب الآن تنفيذ عقوبات حاسمة.
وإلى جانب ذلك، دعت كوتسوليريس إلى دخول
المساعدات الإنسانية إلى غزة دون قيود، منتقدة التأخير الشديد والكميات الضئيلة
المسموح بها حاليًا. وفي إشارة إلى تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2022 عن الفصل
العنصري، استشهدت بأدلة على أن السلطات الإسرائيلية قد حسبت الحد الأدنى من
السعرات الحرارية المطلوبة للبقاء على قيد الحياة ـ ليس من أجل حياة كريمة، ولكن
لمجرد البقاء على قيد الحياة ـ واستخدمت ذلك لتقنين المساعدات المقدمة إلى غزة،
حتى قبل التصعيد الأخير. وفي الوضع الحالي، مع قطع المساعدات لأكثر من شهرين، حذرت
من أن الظروف الآن أسوأ بكثير. وبينما بدأت بعض الإمدادات في التدفق، إلا أنها غير
كافية على الإطلاق.
واختتمت كوتسولييرس مداخلتها بمطلب حازم:
يجب على الحكومات أن تتجاوز التصريحات الرمزية وتبدأ في محاسبة إسرائيل بالكامل
بشكل عملي على جرائمها، مع فرض عقوبات وعواقب قانونية تتناسب مع حجم الفظائع.