أطلق رئيس النظام
المصري، عبد الفتاح
السيسي، وصف "العدو" على دولة الاحتلال الإسرائيلي، لأول مرة، منذ صعوده واجهة الدولة العربية التي خاضت 4 حروب عسكرية بمواجهة الاحتلال، ما يثير التساؤلات حول احتمالات حدوث تغيرا بالخطاب السياسي والدبلوماسي والعسكري المصري تجاه دولة الاحتلال.
خلال القمة العربية الإسلامية بالدوحة، الاثنين الماضي، والتي جاءت دعما من 57 دولة لقطر، إثر اعتداء الاحتلال الإسرائيلي عليها بتاريخ 9 أيلول/ سبتمبر الجاري؛ استخدم السيسي، خلال كلمته، مجموعة من المصطلحات غير المسبوقة في خطاباته السابقة حول دولة الاحتلال.
مصطلحات غير مسبوقة
عن استهداف 15 مقاتلة إسرائيلية لقيادات المقاومة الفلسطينية بمجمع سكني في حي القطيفية، قال السيسي: "إسرائيل تسعى لتحويل المنطقة لساحة مستباحة للاعتداءات"، واعتبره "عدوان آثم".
كذلك، أكد أنها "تخطت كافة الخطوط الحمراء"، ووصفه بـ"انفلات وغطرسة آخذة في التضخم"، فيما طالب خلال الوقت نفسه بـ"وضع حد لحالة الإفلات من العقاب أمام الممارسات الإسرائيلية".
وفي لغة رأى البعض أنها تحمل تهديدا مبطنا وتحذيرا مباشرا، خاطب السيسي الإسرائيليين، بقوله: "لشعب إسرائيل أقول إن ما يجرى حاليا يقوض مستقبل السلام، ويهدد أمنكم"، محذرا مما أسماه بـ"عواقب وخيمة"، و"عودة المنطقة إلى أجواء الصراع"، وقوله: "سيكون الندم حينها بلا جدوى".
واختتم السيسي حديثه بإطلاق وصف "العدو" على دولة الاحتلال الإسرائيلي، بقوله: "ختاما يجب أن تغير مواقفنا من نظرة (العدو) نحونا، ليرى أنّ أي دولة عربية؛ مساحتها ممتدة من المحيط إلى الخليج، ومظلتها متسعة لكل الدول الإسلامية".
وأكد أن هذه النظرة كي تتغير، فهي تتطلب قرارات وتوصيات قوية، داعيا إلى "إنشاء آلية عربية إسلامية لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية".
على من أطلقه سابقا؟
وصفُ "العدو" الذي نُشر بموقع الرئاسة المصرية، تناولته وسائل إعلام محلية ودولية، واعتبرته حدثا بارزا ومؤشرا في الدبلوماسية الإقليمية، لكونه أول استعمال رسمي بهذه الصياغة في خطاب رئاسي علني منذ عقود امتنع خلالها الرؤساء أنور السادات، وحسني مبارك، وحتى السيسي، عن تسمية دولة الاحتلال الإسرائيلي بها.
وغالبا ما استخدم السيسي لغة "ودية" تجاه "إسرائيل"، وتحدّث عن تعاون كبير في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، بمقابلة مع قناة "CBS" الأمريكية، مؤكدا أن "العلاقة مع إسرائيل هي الأكثر استقرارا؛ وأن هناك تعاونا واسعا في قضايا الأمن في سيناء".
وفي شباط/ فبراير 2016 وخلال اجتماعه مع قادة يهود أمريكيين، وصف السيسي، نتنياهو، بأنه "قائد لديه قدرات عظيمة، يمكن أن تُساعد ليس بلاده فقط، بل المنطقة أيضا". وطالما أطلق السيسي لفظ "عدو" منذ العام 2013 وحتى اليوم، على كل من يقول إنّها: "قوى التي تهدد الأمن الوطني".
تغيير دبلوماسي.. هل له ما بعده؟
وصف السيسي، لدولة الاحتلال الإسرائيلي بـ"العدو"، قرأ فيه مصريون تغيرا في اللهجة، ووصفه الناشط المعارض تامر شرين شوقي، بأنه "جيد" مؤكدا أننا "لم نسمع كلمة العدو منذ زيارة الرئيس أنور السادات للقدس عام 1977"، مضيفا: "سمعنا لأول مرة منذ 48 عاما كلمة العدو"، معتبرا أنّ نطقها في هذا التوقيت "تغيير دبلوماسي كبير".
وعبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، طالب شوقي، السلطات المصرية بـ"السماح بأسطول الصمود المصري، وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي، وتعليق الاتفاقيات الثنائية واتفاقية الغاز الأخيرة، وغلق المجال الجوي المصري أمام طيران العدو، وتعليق الدخول إلى سيناء، وإعلان أعضاء الحكومة اليمينية المتطرفة غير مرغوب فيهم ووضعهم على قوائم الإرهاب".
وتساءل الإعلامي المصري، هيثم أبوخليل، قائلا: لماذا لا يُلغي السيسي تمديد اتفاقية الغاز مع "العدو"؟، ويوقف تصدير المواد الغذائية والمنتجات إلى "العدو"؟، ولا يغلق سفارة "العدو" في القاهرة؟، ويوقف التنسيق الأمني مع "العدو"؟، ولا يسمح للشعب بالتظاهر ضد جرائم "العدو"؟.
وفي تحول مشابه في خطاب الإعلام المصري، تساءل الإعلامي المقرب من السلطات المصرية، أحمد موسى، عبر فضائية "صدى البلد": "لماذا لا تتخذ الدول العربية قرارا بإغلاق مجالها الجوي أمام الطيران الإسرائيلي؟"، قائلا "نحن جاهزون، وما حدث في 5 يونيو 1967، لن يتكرر".
في السياق، طالب السياسي المصري مجدي حمدان بتفعيل كلمة "عدو"، قائلا: "لا تحتاج لتعليق بل تحتاج لتفعيل".
اظهار أخبار متعلقة
مجاملة للدوحة لا إعلان قطيعة
الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، ممدوح المنير، تحدث إلى "عربي21"، عن دلالات وصف السيسي غير المسبوق لدولة الاحتلال الإسرائيلي بـ"العدو"، وما إذا كان يكشف عن وجود تأزم حقيقي في علاقات نظامي القاهرة وتل أبيب، واحتمالات أن يتبعه تغيرا حقيقيا على الأرض، وقرارات وإجراءات لدعم غزة وردع الكيان.
وقال: "أراه تصعيدا لغويا مجاملة للدوحة محسوبا أكثر منه إعلان قطيعة، فالسيسي كنز استراتيجي لإسرائيل أكثر من نتنياهو نفسه، لذلك الكلمة لا تعدو تسجيل موقف أكثر منها تغييرا في قواعد اللعبة بين الطرفين".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف المنير: "جاءت الكلمة في لحظة إقليمية حرجة بعد الضربة الإسرائيلية على الدوحة، في خطوة غير مسبوقة صهيونيا، وفي قمة (عربية- إسلامية) ألزمت المتحدّثين برفع النبرة، مع رسالة ضغط على تل أبيب وواشنطن بأن السياسات الجارية قد تُهدِّد ترتيبات السلام نفسها. لكن كعادة هذه القمم جاءت دون قرارات تنفيذية حقيقية".
هل تعكس العبارة تأزما حقيقيا؟
يجيب المنير، بقوله: "نعم، هناك تأزّم مُدار وتآكل في الثقة، عبّرت عنه الرئاسة إعلاميا بالتحذير من أنّ ممارسات إسرائيل (تجاوزت الخطوط الحمراء) وتهدّد حتى فرص السلام القائم".
ويتابع: "هذا جديدٌ في حدّته على مستوى الخطاب الرسمي، لكنه لا يساوي بعد تفكيكًا لعناصر التعاون الراسخة أمنًا واقتصادًا، فقد رهن السيسي مقدرات الدولة المصرية وأمنها القومي منذ مجيئه للسلطة في يد الكيان الصهيوني، وبالتالي لا نتوقع تغير دراماتيكي في العلاقة بينهما".
خفض التمثيل وإجراءات أخرى
يعتقد الباحث المصري أن "خفض التمثيل، وربما تصعيد أكبر مرتبط بملف التهجير إلى سيناء، الذي يعتبره السيسي ونظامه خط أحمر لبقاء النظام ذاته وليس للأمن القومي المصري، فالذي باع تيران وصنافير وتنازل عن حقوق مصر المائية في سد النهضة وترك الاحتلال يحتل محور صلاح الدين وجوّع غزة طيلة عامين لن يأخذ رد فعل على أساس وطني أو مصلحة قومية".
ويرى أنه "لذلك إنّ مؤشرات القطيعة الشاملة (إغلاق المجال الجوي، إلغاء معاهدة السلام، المنع التام لدخول الإسرائيليين إلى سيناء، فتح كامل للمعبر من الجانبين) تبقى ضعيفة الاحتمال، نادرة الحدوث ما لم يقع حادث سيادي مباشر يمسّ النظام كالتهجير".
وبالنسبة لأسطول الصمود العالمي، لا يعتقد المنير، أن "النظام سيترك المجال له للمرور إلى غزة، لأن سلوك الدولة في العامين الأخيرين قيّد التحركات الشعبية المتّجهة نحوها ومنع الفعاليات المؤيّدة، وفضيحة ما فعله مع القافلة العربية التي استهدفت فكّ الحصار لا تزال تدوي إعلاميا".
ورجّح "استمرار المقاربة الأمنية الحذرة تجاه القوافل والأساطيل، إلا إذا تقرّر استخدامها كورقة ضغط يساوم بها الاحتلال في ملف التهجير وهو ما لا تظهر له مؤشرات تنفيذية بعد".
وأكد أنّ: "الاعتماد المتزايد لمصر على الغاز الإسرائيلي (وتوسيع السعات بمشروعات جديدة) يجعل التعليق الشامل لاتفاقات الطاقة خطوةً عالية الكلفة على المدى القصير، لا سيّما مع حاجة القاهرة لتأمين الكهرباء والعملة الصعبة. لذلك نتوقّع إن حصل تصعيد اقتصادي أن يكون انتقائيًا وتدريجيًا أكثر من كونه قطيعة فورية".
وختم المنير، مؤكدا أنّ: "التحول الحقيقي الوحيد الذي تملك القاهرة فعله للضغط على إسرائيل ولا يخالف أي اتفاقية موقعه معها هو فتح معبر رفح من الجانبين، فهو حق سيادي لها، لكنها لا تفعله ولن تفعله، لذلك سيظل الوضع البائس لأهلنا في غزة قائما حتى تنتفض الشعوب ولا تنتظر تحركا من أنظمة عملت لمصلحة إسرائيل أكثر مما عملت لمصلحتها".
اظهار أخبار متعلقة
الوضع على الأرض وعقبة واشنطن
تشير التطورات على الأرض في سيناء إلى حشد الجيش المصري نحو 40 ألف جندي، قرب الحدود مع قطاع غزة، وتعليق التنسيق الأمني جزئيا مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب نشر منصات دفاع جوي صينية متطورة من (طراز HQ-9B) في سيناء، وفق ما أكده موقع "ناتسيف نت" العبري، الاثنين الماضي.
وذلك في خطوة تكشف توجّه القاهرة لتعزيز قدراتها الدفاعية بسيناء، بشكل استباقي لمواجهة أي سيناريو محتمل، خاصة مع إعلان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منتصف آب/ أغسطس الماضي، عن مخطط "إسرائيل الكبرى"، والذي تضمّن خريطة تضم أجزاء من سيناء، وتهديده الشهر الجاري بعرقلة صفقة غاز بقيمة 35 مليار دولار مع مصر.
وهي المواقف التي قابلتها مصر بالدعوة لإنشاء "قوة عربية مشتركة" لتوفير الحماية للدول العربية، بمشاركة 20 ألف مقاتل مصري.
ويرى مراقبون، أن أي فعل مصري على الأرض مرتبط بشكل كبير بمدى قبول أو رفض الإدارة الأمريكية له، خاصة مع ما يقدمه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من دعم سياسي مفتوح لتل أبيب، ما يقابله احتمال استخدام واشنطن كل وسائل الضغط على الدولة المصرية، وبينها حجب المعونة الأمريكية الاقتصادية منها والعسكرية.
اظهار أخبار متعلقة
إلى ذلك، أعرب كتاب وصحفيون وسياسيون مصريون عن انزعاجهم من رسائل الدعم الأمريكي التي حملتها زيارة وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، الاثنين الماضي، إلى تل أبيب، بالتزامن مع القمة العربية، ورأوا أن فيها رسائل موجهة إلى مصر.
وقال رئيس تحرير موقع "ذات مصر" سابقا أسامة العنيزي، إنّ "الضوء الأخضر الذي حمله وزير الخارجية الأمريكي للكيان المحتل، ليس لغزو غزة والسيطرة الكاملة عليها فقط، لكن في اعتقادي هو موافقة ضمنية لخطة التعامل مع مصر بعد دفع أهل غزة إلى الحدود".
وتوقع أن تكون تلك الخطة: "ضربة خاطفة مفاجئة للقوات المصرية داخل سيناء، بحيث تفقدها القدرة على الرد السريع، بعدها تتدخل أمريكا للتهدئة والحشد لمنع مصر من الرد بعد أن يدخل الأهالي الأراضي المصرية".